كنت دائماً ما أعتبر أن تحليل الوضع الذي توجد عليه كرة القدم الإماراتية، بإعمال آليات تمحيص وتدقيق بالغة الدقة وعالية الاحترافية، هو أسهل ما يمكن عمله، لأن المخرجات ستتحدث من تلقاء نفسها، عن ذات المحصلات الفنية والرياضية وحتى الاستراتيجية، التي كان الوصول إليها ميسراً في عمليات معاينة سابقة، كلما كانت الحاجة ماسة إلى تشريح دقيق لأزمة هيكلية نرى لها أوجهاً كثيرة في الإخفاقات المتتالية لمنتخبات وأندية الإمارات، برغم ما تغدق عليها القيادات الرشيدة من دعم مادي ولوجستي لا يتوافر حتى عشره لكثير من دول القارة.
فأين يوجد الخلل إذا؟
هل في هشاشة المخرجات؟ أم في صعوبة تطبيقها؟ أم في جيوب المقاومة التي ترى في ذلك إبادة لوضع تنتفع منه؟
أتصور أن أكثر سؤال كان يلاحق الكرة الإماراتية في سعيها لحلحلة أزمة النتائج، هو سؤال نجاعة الحلول والبدائل، ودرجة تطابقها مع طبيعة المشهد الكروي، فقد دلت الخلوات التي دعا إليها اتحاد الكرة الإماراتي، على أن الحل هو في وجود الاحتراف عقلية وسلوكاً، لا في وجوده كلوائح وضوابط على شكل عقود، أو كبنى تحتية باهرة لا تتوافر لكثير من أندية أوروبية أو كسيولة مالية.
ومن يفتش أو يتحرى في معيش اللاعب الإماراتي المسمى قانوناً «لاعباً محترفاً»، سيجد أن هناك بوناً شاسعاً، بل فارقاً يستحيل معه كل قياس بين احتراف اللاعب الإماراتي واحتراف اللاعب الأوروبي. ومع اليقين بوجود هذا التفاوت في المعيش والسلوك والعقلية، كان لابد من إبداع الحلول الجريئة لعلاج هذا الانفصام الخطير الذي يتسبب جماعياً في استحالة الصعود للمستوى العالي، الذي بات اليوم منصة منها تنطلق المنتخبات والأندية للعالمية.
وأتصور أن الشيخ راشد بن حميد رئيس اتحاد الكرة، وهو يقرر ابتعاث خمسة من المواهب لتجارب إعاشة مع أندية أوروبية، اهتدى إلى واحد من الحلول لتصحيح الأعطاب البنيوية التي تشتكي منها الكرة الإماراتية. ليس القصد أن ينتمي هؤلاء اللاعبون فنياً وتكتيكياً ليرتقوا بمنتخبهم الوطني، ولكن الغاية هي أن يتشبعوا بالفكر الاحترافي الأوروبي، التزاماته، متطلباته، إكراهاته وحتى تحدياته، لينقلوه بعد ذلك إلى أبناء بلدهم.
ومن شأن هذه الابتعاثات إذا ما تأسست على قواعد سليمة، واحترمت عامل الزمن لكي تنضج الفكرة والمشروع، وإذا ما أحسنت اختيار الأندية الأوروبية الحاضنة بحسب مقاصد الابتعاث، أن تغرس في الكرة الإماراتية البذور الأولى لاحتراف حقيقي.
جيء لأندية الإمارات وحتى منتخباتها، بعشرات المدربين والمكونين المهرة من كل بقاع العالم، من كل المدارس العالمية التي أثبتت جدارتها في مجال التكوين، وما أفاد ذلك شيئاً في تغيير الطبائع والعادات والسلوكات، واليوم عندما تنتقل المواهب لأوروبا، من دون أن يزيغ البصر عنها، سيتغير الوضع بلا أدنى شك.