هكذا هي حياتنا في نمو وسقوط، فكلما سقطت ورقة، جرت بعدها ورقة لتنشر خضرتها في الوجود، ومن الجهل أن نأسف على زوال ورقة، لأنه ما من سقوط إلا ويعقبه نشور، وهذا ديدن العمر لكل الكائنات وهذا هو قانون الانتخاب الطبيعي للمخلوقات، حيث لا بهجة إلا من بعد ذبول، ولا ابتسامة إلا من وراء غياب ولا بسر إلا ويعقبه يسر.
حضارات تخفت، وأخرى تنهض، ونخيل تعجز، وأخرى تسمق، وعيون تغمض وأخرى تحدق، وما الحياة إلا بحر يجزر، ويمتد لتستمر الحياة وتتجدد، وتعمر بالتحول من بهوت إلى ينوع.
نحن نعجز عن استقبال التغير، لأننا أقل شأناً من عبقرية الوجود، ونحن نكتئب، لأننا لا نملك بعد النظر في هذا الكون الرهيب، ونحن نكفهر، لأننا نقطة حبر بائسة على صفحة الحياة الواسعة، ونحن ننكسر، لأننا عود يابس في هذا الحقل المزدهر بالجذور العملاقة.
ما يحدث في داخلنا هو شيء من المقارنة الظالمة، وهو المعيار المائل إلى كسوف شمسي أزلي، وهو ما يجعلنا نهيم وجداً في التقاعس عن فهم الموجود، وبالتالي ننكفئ، ثم نغوص في محيط من الأوهات والتي هي جزء من أسباب كهولتنا، وكذلك فناء خلايا نهوضنا من جديد. 
إذا فقد الواحد منا عزيزاً احترقت كل أوراق صبره، وترمدت، وتبعثرت في الهواء، ذرات هائمة في تلاشيها، وإذا خسر أحدنا وظيفة قامت دنياه ولم تقعد، وقد ينتهي إلى زوال، وإذا ذهب أحدنا إلى محفظته، ونبش في مخابئها ولم يجد ما يسد رمقه، انحسرت فرحته، وتوارت ابتسامته، وتجعد جبينه، وتقصفت خدوده لتصبح طريقاً محدودبة، ومقعرة لأنه اكتشف أنه خاوٍ، وأن الأنا المنتفخة فسدت تفاحته، ولم تعد صالحة للتباهي.
نحن في خداع بصرية يومية، ولا نكف عن نكران وجود هذا التساوي في المتناقضات، ولا نعترف بأن المتناقضات هي سر وجودنا والإيمان بها هو أصل النجاح واستمرار الحياة من دون إحباط، ويأس، وتخاذل.
فلولا وجود القبيح لما عرفنا شكل الجميل، ولولا وجود الضعيف لما لمسنا معنى القوة، وسر جمال الأبيض هو وجود الأسود، وسبب عظمة المحيط هو مجاورته للبحيرة التي تنبثق منه، وتتميز عذوبة النهر من اختلافها عن أجاج البحر.
الإنسانية متعبة إلى درجة الإنهاك، لأنها لم تعد تتخلص من براثن الخداع البصرية التي يرسلها الأنا المراوغ، والذي يضفي هالة سميكة من الكذب، كي لا نتقبل ضعفنا أمام عظمة الوجود، واختلافاته التي فيها وحدتنا.
فالإنسان واحد في مجموع، والشخصية حزمة من تنوعات الكل.