مرت سنتان والعالم معبأ بعصاب «الجائحة» والتي جاست، وجاشت، وأغرقت البشرية بأمواج من الخوف والهلع، والإحساس بالفقدان، والشعور بفراغ الحياة من مضمونها، كون الوباء تفشى كالسيل العرم محطماً ثوابت اجتماعية، وضوابط ثقافية، ومجتاحاً منازل الأمان، محتلاً بيوت الطمأنينة، مكتسحاً جسوراً وقلاعاً وبلا هوادة سرق أرواحاً، واختطف أعماراً في عمر الزهور، متدحرجاً ككرات نارية أذهلت العقول، وأربكت الأجهزة الصحية في جميع أنحاء العالم، حيث كان لمراوغة الوباء معضلة فاقت التصور، وتجاوزت الخيال البشري، وصارت دول عظمى تتهجى أبجدية العلاج للتخلص من أسوأ كارثة طبية عصفت بالعالم منذ القرن السادس عشر، واليوم وقد أنجزت الجهود الطبية أعظم مكسب إنساني، يشعر القائمون على الفن الثقافي بواجبهم الوطني والوجودي بأن تتقدم الثقافة بمشروعها المستقبلي تجاه البشرية بما يخدم صحة الإنسان، ويحقن تفكيره من مخلفات «الجائحة»، وقد وجدت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي دورها الريادي المعتاد في التصدي لهذا النشاط المهم، ورأى المسؤولون في الدائرة أنه من الضروري إقامة مؤتمر عام بهذا الخصوص كون الثقافة هي بيت كوني لا يخص جهة دون أخرى وإنما الثقافة هي شأن عالمي، والجائحة عندما نشبت مخالبها في الجسد البشري لم تستثنِ شعب دون آخر، بل كانت طوفاناً عالمياً، بهذا الوعي الإماراتي تم إحياء الثلاثة أيام من شهر مايو لهذا الخصوص، وسوف تكون جزيرة السعديات هي الحاضنة، وبين ربوعها سيكون الصوت الثقافي عالياً يصدح باسم العالم أجمع، كون الثقافة هي الحقنة الأخيرة للذات البشرية، والتي تكون المضاد الحيوي ضد أي مضاعفات، أو ارتدادات نفسية واجتماعية بحكم أنه لكل وباء خطير لا بد من توابع نفسية تؤثر على حالات معية، وللثقافة دور مهم في إعادة التوازن لدورة الحياة بعد غثيان مرير مر على البشر، وبعد صاعقة مرعبة زعزعت الأمن النفسي لشعوب العالم.
والإمارات بهذا الدور تتصدر دول العالم في الوقاية النفسية والثقافية، كما تصدرته في مواجهة «الجائحة»، وقد قدمت أجهزتنا الصحية أعمالاً بطولية شهد لها العالم من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، ولا غرابة في أن يكون لبلادنا في حدث عالمي بصمة، ونقطة مضيئة.
هذه هي عادة الكبار، وشيم النجباء، هذه قيم ثقافتنا الرسمية والشعبية على حد سواء.