عندما تم نقلها للغرفة البيضاء، بعد تحررها من غرفة العناية الفائقة بهتت، وأمسكت برأسها كأن على رأسها الطير وقالت متذمرة: هذه الغرفة كئيبة، أريد العودة إلى غرفتي الأولى.
فاستغربت الممرضة التي كانت تجر كرسيها المتحرك، وتلفتت يمنة ويسرة، وكأنها تود أن تعبر عن دهشتها لذاك الطلب المستهجن، لأنه ما من مريض مخير في انتقاء الغرفة التي يريد، فبالنسبة لطاقم التمريض فالغرف في مستشفى مدينة خليفة الطبية أشبه بالغرف الفندقية، كما أن هذه الزائرة ليست سائحة حتى تفكر بمثل هذه الخيارات، ولكن ما كان يشغل بال مريضتنا هو أنها كانت متعلقة بتلك الشجرة العريقة في بيتها القديم، الأمر الذي يجعلها لا ينتابها الشك في أن الغرف التي تبدو مثل صندوق مغلق ملتصق بصناديق أخرى تجاوره، ومغلقة على أسرة بيضاء تشغل ألحفتها القطنية أجساد همدت تحت رائحتها الفجة لأدوية تفوح كأنها نوافير من عهد قديم. 
مريضتنا لما تم تلبية طلبها شهقت مبتسمة، ونظرت من خلال النافذة المطلة على شجرة عملاقة لم يسبق لها أن رأت مثلها، ولكنها ربما دار في خيالها أنها شجرة من بيئة غريبة، ولكن تبقى تلك الأصابع الممتدة إلى السماء كخيوط ترسم في الفضاء صورة الحياة عندما تلونها العصافير بزقزقة ملائكية، يرف لها الجفن وتهتف لها الروح، وينبض لها القلب محيياً هذا الحفل البهيج ساعة العودة من لعبة الطيران بأجنحة أشبه بالأعلام، أو علامات الاستفهام عند آخر جملة الأسئلة الوجودية، وهذه المريضة في ذلك المساء كانت في أول رحلة غير اعتيادية، حيث غادرت مكان الألفة في غرفتها الدافئة قريباً من مطبخها التاريخي، ومغزل طعامها، وما حملته صحونها إلى الأعزاء والأقرباء، ورفيقة العمر.
بعد أن أرخت المريضة جسدها المنهك من وعثاء المرض، ونظرت إلى سقف الغرفة، وحملقت في الأشعة الضوئية الخافتة، أزاحت شرشف القطن عن جزء جسدها العلوي وابتسمت للزائرين معبرة عن شيء من الرضى وهي تأخذ نفساً عميقاً وكأنها تشيع الجالسين حولها بنظرة مختصرة لمريضة وجدت ضالتها في أغصان تلك الشجرة المنسحبة إلى الأسفل، كأنها قلادة فضية لمعت تحت أضواء المصابيح، محتضنة طيورها الأزليين. بعد مضي ساعة التفتت المريضة إلى شقيقها وقالت في لهجة مقتضبة: 
متى سأغادر المستشفى؟
همهم قائلاً: لا تتعجلي الأمور، سوف تغادرين عندما تكونين في صحة جيدة، وعندما يأذن لك الأطباء.
ثم أردف قائلاً: وهل ضايقك وجودنا في المستشفى؟
تمطقت قائلة وقد بدا عليها الضيق شيئاً ما: لا أعتقد أنني سأجد مكاناً أفضل من هذا المستشفى، ولكن أشعر أنني مشتاقة إلى البيت، لقد ولهت إلى النخيلات، وشجرة اللوز، وكذلك شجرة الليمون، أخشى أنها بحاجة إلى يد تروي عطشها.
هي تعرف أن تلك الشجيرات تروى بالتقطير، ولكن ما كان يعن عليها هو البيت ورائحته التي انغرست في مسام جسدها كهذه الغرف المدهونة بالمطببات.