في اليوم الرهيب، وفي الغياب المهيب، كانت الدموع في وعي الإنسان على هذه الأرض الماء والثلج والبرد، يخفف من وطء الأسى الذي تمكن من قلوب العشاق، والسغب الذي سربل الأحداق، فجادت المقل بما يدفع الأذى، ويمنع حومة الردى، حيث كان المصاب جللاً، والمصيبة أعظم. 
في هذا الفقدان الأليم شعر المواطن والمقيم على حد سواء بأن من ترجل غرس في النفوس الحسرة، وفي القلوب الكدر، حتى أصبحت الأرواح طيوراً غربها الفقدان، وهيض أجنحتها الخسران، وجعل من حياتها مزق الطوفان.
في مساء الجمعة غربت الشمس باكراً، وطوت عباءة النور مستعجلة. وتوارت خلف حجب الحزن، وانكسار الخواطر.
في ذلك اليوم تحملت النجوم وزر انطفائها، وخفوت ضوئها، وجفول وجدانها أسفاً على رحيل الفارس المبجل، وعظيم التمكين المجلل بسمات الرجال الأبرار الميامين، الأحرار، الذي صنع من واقع الإمارات أيقونة جمالاً، وبلورة كمال، وأسطورة لا تقبل الاحتمال، بل كانت حقيقة لها في المكان جذور، وفي الزمان سطور، وفي وعي الإنسان حبور.
هذه إمارات خليفة التمكين، تنعى اليوم فراقة وتذرف الدمع ساخناً على الوجنات، وتمطر الدنيا بخبر زلزل الجهات وأيقظ في الضمير الإنساني صرخة الحزن عندما يكون الفقدان بحجم الجهات الأربع، ويكون الفقيد بحجم خليفة.
عندما يذكر هذا الشهم الفذ الجهبذ، تبدو الكلمات مثل القطرات على زجاجة القلب، والعبارات تتدحرج على منخفض القلب كريات نارية تحرق النياط، وتذيب الشريان، عندما تمس الحكاية اسم خليفة، تبدو فصولها مثل روفد النهر، مثل موجات المحيط، مثل أعماق الصحراء، مثل جذوع الشجرة العملاقة، مثل تضاريس الإمارات الحبيبة.
هكذا نعيش الحالة المزرية ونحن نودع أغلى الناس وأعز وأجل الرجال الذين صنعوا مجدنا، وعزنا وفخرنا وفرحنا، وسدد خطانا بين الأمم وحفظ سترنا، وأسكننا فسيح منازلنا، وجعلنا بين الأمم شعباً استثنائياً، في حياته الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، والثقافية.
هكذا كان خليفة الخير، طيب الله ثراه، كان الطيب الذي مر على أرواحنا فمنحنا الشفافية، والأريحية، منحنا الحلم الزاهي، ولون عمرنا باليفوع، والينوع.
رحم الله الشيخ خليفة وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان.