*    في «أبو خالد»، تجتمع الصفات، ويختلف فيه الحب، ويتشعب هوى الناس، فهو مَثَلهم وقدوتهم، والكل يراه بعينه، فالصغير يراه الفارس، والكبير يراه القائد، ومن يفتقد أخاً، يراه أخاه، والذي ودّعه أبوه، يرى فيه الأب، وهو العم والخال حين يلزم الجِدّ، يحامي عن ابن الأخ، ويحمي ابن الأخت، وهو لليتيم والفطيم الجد، وهو السند والعماد والعضد، يجمع الناس على محبته، ويفرحون لو قدروا أن يخدموه بماء العين، ويحفظوه عن الشر برمشها، طلته عليهم ترفع من هممهم، ورؤيته تزيدهم فعلاً، وعملاً، وعافية، وسعادة يتمنون لو يقدرون أن يقبضوا عليها، وأن تدوم لهم ومعهم.. «أبو خالد»، كل الفرح لقلبك الأبيض الذي قد نتعبه، وكل السعد في يمينك التي يمكن أن نثقل عليها، وكل الخير في وجهك الذي نستبشر به، فاسمح للناس أن يتذكروا ويحبوا ويبتهجوا، ويفرحوا بك على طريقتهم الخاصة، لأنك استثنائي.. ويكفي!
*    لماذا حين نعود للمدن الحاضنة للولادة البكر، والمدن التي كانت مرتع الصبا، نشعر كلما دخلناها برائحة الطفولة، ودفء الأمهات، وتلك الطمأنينة التي تتسرب للصدر، جاعلة من يومنا شيئاً مختلفاً، وزارعة الأمل من جديد فينا؟ هل هي سكينة المهد، وفرحة الدهشة الأولى، وتعلم أبجديات الأشياء؟ لا شيء يعدل مسقط الرأس ذلك الذي يبقى عزيزاً في الداخل، ومسافراً معنا في الخارج، وحين ترجّنا خطوات الحياة، لا نتذكر شيئاً مثلها، ربما لأنها المهد، وربما هي اللحد!
*    لا شيء اليوم في هذا العالم غير التوتر، توتر على الصعيد الاقتصادي، توتر على الصعيد العسكري، توتر على الصعيد الأمني، توتر سياسي، توتر شعبي، توتر إعلامي، وتوتر صحي كلما انتهى قديم، قذفوا بجديد، لما غابت الحكمة فجأة؟ وكأن العالم بيد لاعبين صغار لا يقدرون المسؤولية، ولا يفرحهم إلا اللعب بالنار، لا يوجد بلد في العالم من دون توتر اليوم، وإن كانت أموره تسير بالخير وعلى ما يرام، وجد جاره يناوشه من بعيد، مرة باستفزاز إعلامي، ومرة بالتلويح بخلق أزمة اقتصادية، ومرة أخرى باستعراض القوة العسكرية، لا في وقتها، ولا مكانها، كل ذلك من أجل مزيد من التوتر، وعالمنا العربي متوتر منذ الأزل، وأي فتيل ولو كان خلافاً تاريخياً منذ ألف وخمسمائة سنة يمكن أن يشعل الأطراف، كلمة قالها مجنون في حق شعب عاقل، نطمس التسامح، وننسى أن لا حرج على المجنون، ونقدّم التوتر، خلاف على حديث موضوع يمكن أن ينشط كل الأجهزة من أجل صنع توتر، ودون منطق يحتكم له واقعنا المعيش!
*    لا أدري لم حين نلتقي بالمثقفين والمبدعين، تظهر أول ما تظهر خطوط التعب والمعاناة، والشكوى من حالنا، وما صار إليه مآلنا؟ ثمة حالة من عدم الرضا عن واقعنا، وخشية من المستقبل، وخوف من ضياع هويتنا، هل هم محقون في نبرة التوجس، ولا نقول التشاؤم، لا فرح يبدو على محياهم، وكأن كل أعمالنا إلى سراب، وخططنا التنموية والسياسية والاقتصادية والثقافية مصيرها العبث والعدم، هل قراءاتهم صحيحة للواقع؟ أم أن هناك ثمة أفق، ونور أمامنا، لا يرونه بفعل التراكمات القديمة، والانكسارات والهزائم المتعاقبة، وبفعل القطيعة بينهم، وبين الجيل الجديد!