فكرة النسيج بديعة، فكرة ذكية لصنع شيء جديدٍ من مادة أو غزل أو خوص أو فتلات صوف، في المادة الفنية التي تعلمناها في المراحل الأولى من التعليم على يد مدرس الفنون، أو المعلم الفنان المختص في مادة الفن أو الرسم، كما يُقال قديماً هنا في الإمارات، كيف تصنع من كرة الخيوط الصوفية تشكيلاً جميلاً حتى وإن كان بمساحة الكف أو بطول درج الدراسة الصغير، الجميل والمفرح أنك صنعت مادة جديدة من خيوط أو حبال نايلون ملونة.
هذه الأفكار الجميلة والبدائية قد لا تكون مثيرة جداً عند مقدرة عصفور مثلاً يصنع عشاً على غصن شجرة، وبطريقة إبداعية وفنية عالية لا تسقطه الرياح ولا يؤثر فيه المطر أو الحرارة أو البرد، قدرة وهبها الله لدى هذا الصانع الصغير والنساج العظيم، مثيرة فكرة ومقدرة هذه الطيور الصغيرة في عملية النسيج، وقد تختلف من طائر إلى آخر، ولعلّ الأكثر إبداعاً أن بعض أنواع الطيور تعلق أعشاشها المصنوعة من المواد والحشائش وأوراق الشجر التي تبطن ذلك العش القوي، الذي يتدلى من غصن شجرة تلعب به العواصف والرياح ولا يسقط، إنها حكمة الرب وقدرة هذا المخلوق الجميل العجيب على أن يقهر الظروف والمتغيرات المناخية.
أن تملك الفطنة والعزيمة والتفكير في كيفية قهر ظروفك والصعاب، وتصنع من محيطك والبيئة التي خلقت فيها، وتكيفت معها منذ الولادة والخليقة، فأنت صانع المستحيل عندما يعز عليك وتصعب أيامك لأي ظرف أو وضع كان، الكائن الحي المبدع في حياته اليومية والمنتمي إلى بيئة يصنع المستحيل بقدرته على التكيف، وإبداع ما يضمن استمرار الحياة.
فكرة النسيج وصنع شيء مهم ومفيد من المحيط والمتوفر من الخامة أو المواد يُعد شيئاً جميلاً ومهماً، كما أنه اندماج مع البيئة والتوحد معها بروح الفنان المبدع، نتوقف دائماً أمام القدامى من النساجين، ونتذكر كيف صنعت تلك البدوية القديمة من وبر الجمال حاجيات كثيرة ومهمة في حياة الصحراء، ومن الأشياء الصغيرة التي تستخدم في سرج الجمل وأدوات المنزل، إلى بناء المسكن الذي يؤوي الأسرة ويحمي الأطفال من الظروف البيئية، ويكون البيت الذي يصنع الأمان، وكذلك في البيئات الزراعية، وكيف استفاد الإنسان والمرأة الريفية من نسيج بقايا الأشجار وأغصانها وخوصها لصناعة مواد مهمة في الحياة اليومية للفرد والأسرة.
فكرة النسيج هي فكرة فنية إبداعية، وربما هي الضوء الأول لإبداع كل الفنانين، الذين نجدهم الآن يبدعون بفنهم وريشة وفرشاة ألوانهم، التي تزين اللوحات البديعة التي يصنعونها، الفنان التشكيلي والرسام هو الذي يزين أيامنا بجمال ما يبدعه من فن ينهض بنا من الرؤيا الرتيبة للحياة والعادية، إلى رؤية الزوايا الجميلة والزاهية والحالمة في الحياة، إنهم أصابع وأنامل الجمال في هذه الدنيا/ الحياة، حتى وإن وجد في الطبيعة الجمال والألوان الجميلة، فإن الفنان هو الذي يقرب اللوحة والصورة والجمال بصورة أكبر وأجمل، أنظر إلى العصفور الصغير الجميل الذي يصنع/ ينسج عشه بفنية عالية كيف يزيد على منظر الشجرة والزهرة بعداً جميلاً وجديداً بوجود طائر جميل يضيف إلى تلك الحالة/ الصورة البديعة واللوحة شيئاً جديداً برفات أجنحته الملونة، وموسيقى نشيده الصباحي أو المسائي، الفن ونسج الجمال هو إبداع فنان له أنامل من حرير.