مجرد التأمل في هذه العبارة «أرض جديدة» كفيل بالسماح بعشرات الأفكار والتصورات التي يمكن توقعها، ومنها ما أود مشاركتك إياه عزيزي القارئ. فذلك التحول الذي يصيب من يطأ هذه الأرض، مقابل ذاك الكم من الماضي الذي عليه أن يتركه خلفه هو بالفعل أمر عظيم. وسواء كانت هذه الأرض مكاناً جديداً أو عملاً أو علاقة أو حتى عادة، فإنها تبدأ في داخلنا، عبر أفكارنا، فنعيش ألم ودهشة المقارنة. والحقيقة أن بعض الكتب أيضاً بمثابة أرض جديدة، تدخلها بحال، وتصبح بعدها بحال مختلف.
و«أرض جديدة» عنوان لكتاب من أجمل الكتب التي عرفتها في حياتي، فهناك بعض الأعمال التي قرأتها لم يكن لها حضور عادي، كان عبورها عميقاً جداً، جعل مني شخصاً آخر غير الذي كنته قبل اطلاعي عليها. وكتاب «أرض جديدة» للألماني «إيكهارت تول» أحد أكثر الأعمال التي تطرح محتوى روحياً مختلفاً في وقت نغرق فيه في المادية التي طغت على كل شيء، لدرجة أصبح معها الوصول إلى الذات مسعى في غاية الصعوبة، وهو ما يعيق قدرتنا على فهم اللحظة، فما بالك بالعيش فيها؟!
وكتاب «أرض جديدة» الذي حالفني الحظ لقراءته منذ أن تمت ترجمته إلى العربية للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، يعد الجزء الثاني من كتاب «قوة الآن» الذي قرأته بعد ذلك بزمن، وهو أيضاً من الكتب الجميلة التي لها تأثير عميق وحقيقي، كونه يعد من ذلك النوع من المعارف التي لا نسعى إليها عادة، ولكننا بمجرد اطلاعنا عليها نكتشف كيف أن حاجتنا إليها شديدة جداً.
وبمناسبة الحديث عن الحاجة، كانت رواية «الطوارق» للإسباني «ألبرتو باثكث»، وهي أيضاً من الأعمال التي شكلت وعيي، وأكدت حاجتي لإعادة تقييم فكري لكثير من قناعاتي، وذلك عبر كم الأسئلة التي بقيت تحاصرني منذ قراءتها حول جدوى الكثير من القيم التي نحملها لتحقيق أهدافنا -التي نعتقد أنها نبيلة- أثناء طريقنا الطويل في الحياة، وهل سلوك بعض الدروب دون غيرها سيؤدي إلى تحقيق ما نريده، أم أنه في سعينا لتحقيق أهدافنا النبيلة، فإننا ننتهكها دون أن نعي؟!