تمر على المجتمعات العربية، والخليجية بالذات، هجمات من التقليعات والظواهر الاجتماعية والثقافية، موضة السنوات، حتى تجد كل الناس مشغولة ومشغوفة بها، وما تلبث أن تجد لها مروجين ومدربين وتجاراً، سرعان ما يتحولون إلى خبراء ومستشارين، واستراتيجيين، حتى إنها تصبح مهنة من لا مهنة له، وليس من ظاهرة اجتماعية استلبت واستلبست مجتمعاتنا مثل ظاهرة الروحانيات الزائفة التي تعتمد على اللغة وتهويماتها، وأقوال الحكماء المترجمة، وكتب وضعها مختصون في علم النفس لا تخفى على القارئ والمطّلع، وقد هالني في معارض الكتب كيف الناس يهجمون على تلك الكتب الساذجة التي فيها من نصائح جدتي شيخة بنت ناصر الكثير، وليس فيها من قصصها الجميلة والمسلية، كتبٌ كُتبَ على أطرافها: الطبعة العشرون، وأكثر الكتب مبيعاً، والكتاب الذي ترجم إلى أربع وعشرين لغة، ومن هذا «الخريط».. وبعضهم أصبح لهم برامج تلفزيونية، عدا عن قنواتهم على الـ «يوتيوب»، ومحاضراتهم التي يدعون لها، والكل يسمي نفسه «كوتش»، وهو رأسماله دورات مكثفة أم يومين في فنون الظهور، وفن الحديث، وفرض الكاريزما، وهي دورات ناقصة، ويكثر فيها غيابه حتى، ثم يتبعها بشهادات عليا تتكون من أحرف إنجليزية مختصرة من جامعات أوروبية بحروف مختصرة أيضاً، والـ «كوتش» مدرك أنه لا أحد سيفتش أو يدقق أو يسأل عن معاني تلك الحروف الرموز.
 ظاهرة المدربين الروحانيين، والناصحين النفسانيين، وبائعي الوهم اللغوي، من جماعة التدريب الذاتي، وضبط النفس، والجمل الخاوية من المعاني، مثل: «حينما تصحو من النوم، حاول أن تغمض عينيك مرة ثانية، وتفاءل في داخلك»! طيب.. الرجال فزّ من نومه متذكراً الدين المصرفي الذي لن ينتهي في القريب العاجل، وفزع لأن سيارته ذات الدفع الرباعي خزانها البترولي خالٍ، وباق عليها أقساط، وعليه أن يوصل بها أبناءه إلى المدرسة التي تطالب بالقسط الثالث للسنة الدراسية، بربكم ماذا ستفيده تلك الجملة البلاستيكية؟! «حاول أن تغمض عينيك، واشعر بالتفاؤل، واجعل اللون الأخضر كحل عينك»!
وبعض من هؤلاء الـ «كوتشز» تلقى عمره 27 سنة، وحفي على وظيفة حكومية، وما لقي، ورغم ذلك شق طريقه متفائلاً، بالعمل الروحاني، والطبابة النفسية الورقية، طالباً من زبائنه أو مريديه، وبعضهم متقاعدون، وفي سن جده أن يكونوا إيجابيين على الدوام، حتى لو لم يجدوا وظيفة بدوام؛ لأنها «ليست نهاية العالم، المهم أن الإنسان لا يخسر نفسه، والمهم أكثر أن يجد الإنسان نفسه»! فيخرج له من صف القاعدين رقيب متقاعد من الجيش، ومرّت عليه الدوريات والتنقلات من «المنامة إلى حصاة لبانه»، وشاف الدنيا حمراء في الحمراء، ولقاها مُرّة في «الديبوت»، يريد أن يفهم، فيرد عليه ذلك الشاب بنصائح بعضها من البوذية، ما يشتريها الرقيب بـ «شآنه حمراء»: عليك أن تكون «ريلَكس» وتتأمل وأنت تمارس «اليوغا»، ولا تنس أن تكون إيجابياً، تنفس بعمق، وأغمض عينيك، وتخيل أنك في جزر هاواي، اضبط النفس بالتنفس! ولا تجعل «كلن» البترول يضايقك، ولا ضريبة القيمة تقض مضجعك، ولا أقساط مدارس أولادك تعرقل مسيرك، ولا راتب تقاعدك القديم يثنيك عن عزمك، ولا جشع التجار يقضي على ابتسامتك، رقييييب! تاهيّا.. استعد، للخلف درّ، انصراف!