«أحسن مِسْ في العالم».. استوقفتني هذه العبارة وأنا أتابع الصغيرة التي قالتها وهي تنظر باعتزاز إلى مشاهد في مقطع فيديو لحفل قديم كان بمدرستها.. ظهرت المُعلمة التي استحوذت على هذا اللقب وسط التلاميذ بجسدها الممتلئ وكأنها شجرة ضخمة يستظل تحتها التلاميذ وقد بدت رؤوسهم الصغيرة مشرئبة نحوها بكل حماس، يتناسب تماماً مع الحيوية التي بدت على ملامح المعلمة وكلماتها. إذن، فالمعلمة لا تصطنع ذلك أمام الكاميرا، بل هي في حقيقة الأمر امرأة مبتهجة تمكنت من جذب انتباه الصغار بطباعها تلك. بالتأكيد لم يكن ذاك اللقب هو التميز الوحيد الذي حصلت عليه المعلمة، بل أيضاً المادة التي تُدرسها في المراحل الابتدائية المبكرة غدت أقرب المواد إلى قلب الصغيرة، بل والأكثر تفوقاً فيها.
هل عرفتم ما هي المادة التي تُدرسها «أحسن مِسْ في العالم»؟
هناك متلازمة في العملية التعليمية أُسميها «متلازمة اللطف والإقبال»، أنا على قناعة تامة بها تكاد نسب الخطأ فيها ضعيفة جداً، وتعني أنه كلما كان المعلم أكثر لطفاً وبهجةً وحماساً كانت مادته التي يُدرسها تشهد استحساناً وإقبالاً عليها من الطلاب، وخصوصاً في المراحل الابتدائية، ولا داعي لأن أفيض في شرح دور هذه المرحلة في توجه الطلبة المستقبلي.
بدأتُ بتلك المقدمة لأحدثكم عن نوعية بعض المعلمين الذين يدرسون اللغة العربية في المدارس الابتدائية -وباقي المراحل بكل تأكيد- ولكني هنا سأطرح عدداً من الاستفسارات لهؤلاء المتخصصين تركيزاً خاصاً لما لهم من حكم مصيري على إقبال أو هجر الصغار للغتهم الأم.
لماذا من دون باقي الحصص، يكره الصغار حصة اللغة العربية، لماذا يوصف أغلب معلمي اللغة العربية بالشدة والعصبية، ما الذي يتوقعه المعلم قبل أن يقرر دراسة التربية والتخصص في هذه اللغة، هل هناك هم حقيقي لدى حُراس هذه اللغة من المعلمين حول مستقبل اللغة، وهل هناك فهم حقيقي لرسالتهم في هذه المرحلة الزمنية التي نعيشها بكل تغريبها اللغوي والديني، هل لدى القائمين على عملية اختيار معلمي اللغة العربية وضوح تام لمتلازمة «اللطف والإقبال»، على اعتبار أن الحفاظ على الهوية أولوية قصوى؟.. وسؤالي لحراس اللغة، أليس الصغير الذي لا يجيد القراءة ويعاني صعوبات مع اللغة أحق بالاهتمام والرعاية، لماذا مدرس «اللغة الأخرى» أكثر لطفاً وبهجة وحيوية مع التلاميذ.. وأخيراً وليس آخراً.. لِمَ أضعتم مفاتيحكم يا حراس اللغة؟