أجمعت معاجم اللغة أن من تَكَلَّم بِرَطانَةٍ تعني بِالأَعْجَمِيَّةِ أي أنه يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ لاَ يُفْهَمُ، ولابد من القول إن اللغة الأم هي تلك التي نكتسبها بلا تدريس بل يتشربها الطفل منذ نعومة أظافره وبها مفاتيح لرؤيته للعالم من حوله ومعرفته بالمفاهيم والتركيبات الفلسفية التي تعتمد عليها الأفكار البسيطة والكبيرة والمعقدة.. لغة الأم تعبر عن منظومة متكاملة من الهوية الذاتية والوطنية والمعرفة التراكمية التي يكتسبها المرء، فتصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصيته والأعراف المعمول بها في ثقافته وحضارته، فهو الذي يعبر عنها بما يقوله من مفردات وكيف يصيغ الجُمَل وينتقي الكلمات، فيوظف ذكاءه الاجتماعي والأخلاقي عن طريق ما يتفوه به من كلمات تترك أثراً طيباً في النفوس والقلوب على حدٍ سواء.
وقد أقرت منظمة «اليونسكو» الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم منذ عام 2000، فيحتفى به في يوم 21 فبراير من كل عام، ويهدف ذلك لتعزيز السلام وتعدد اللغات في جميع أنحاء العالم وحماية جميع اللغات الأم التي تقول عنها «اليونسكو» إنها من ممكنات تعزيز الاندماج، وبخاصة أن تركيز أهداف التنمية المستدامة منصب على شمول الجميع. 
وتؤمن «اليونسكو» بأن التعليم، وبخاصة التعليم القائم على اللغة الأولى أو اللغة الأم، ينبغي أن يبدأ في السنوات الأولى في إطار رعاية الطفولة المبكرة، فضلاً عن التربية هي أساس التعليم، ولا ننسى أن احتفال هذا العام سلط الضوء على أهمية الدور المحتمل للتكنولوجيا في النهوض بالتعليم متعدد اللغات ودعم تطوير جودة التدريس والتعلم للجميع وتعتبر القائم على اللغة الأم مكوناً رئيسياً للشمول وتحقيق الشمولية في التعليم.
هذا ما تقوله منظمة «اليونسكو» عن اللغات بأنها «الأدوات الأقوى التي تحفظ وتطور تراثنا الملموس وغير الملموس، وحين تضمحل اللغات يخبو كذلك ألق التنوع الثقافي وتبهت ألوانه الزاهية، ويؤدي ذلك أيضاً إلى ضياع الفرص والتقاليد والذاكرة والأنماط الفريدة في التفكير والتعبير، أي الموارد الثمينة لتأمين مستقبل أفضل، لن تساعد فقط كافة التحركات الرامية إلى تعزيز نشر الألسن الأم على تشجيع التعدد اللغوي وثقافة تعدد اللغات، وإنما ستشجع أيضاً على تطوير وعي أكمل للتقاليد اللغوية والثقافية في كافة أنحاء العالم، كما ستلهم على تحقيق التضامن المبني على التفاهم والتسامح والحوار».
للعارفين أقول، ما أجمل لغتنا الأم التي يجب علينا أن نحبها فقط لأن من علمنا إياها هي تلك الأمهات اللاتي تعبن وشقين وواجهن المحن والتحديات وبذلن الغالي والنفيس لنصبح ذربين وهابين ريح.. فلو لم تكن لغة الأم مهمة لما انصبت أهمية الموروث على الشعر والأمثلة الشعبية والمفردات والمصطلحات والقصص والمرويات وكلها تتطلب ابتكاراً في التأليف ومهارة في السرد وأهمية للحفاظ عليها بعيداً عن الرطانة التي لا تعكس ثقافة؛ لأن الثقافة هي ما نتشربه من محيطنا ويعمق فهم الآخر بما نحن عليه من جمال القول والفعل في وطن المحبة والسلام والتسامح.