كانت أمنيات منذ الصغر أن أزور مدناً تاريخية كانت من نسيج المرويات في التراث العربي والإسلامي، مثل بخارى وسمرقند وطشقند وفرغانه أو مدناً مرت على الذاكرة من خلال روايات كتّاب روسيا الكبار وشعرائها، مثل «المآتا» و«دوشنبيه» و«بيشكيك»، ومدناً ولدت بعد الانهيار العظيم مثل «آستانه» والتي تغير اسمها قبل سنوات قليلة إلى «نور سلطان» وغيرها.
خلال التجوال في هذه الجمهوريات ستدهشك تلك الجبال الخضراء والجبال الصم، وكأنها أرسيت لتحمي ظهور المحاربين، وتعرجات الطرقات فيها، وكأنها عبّدت لتكون طرقاً سالكة للخيل والدواب فقط، ستدهشك الجبال الثلجية، وقممها الباردة حد تجمد الأطراف أو تتوقع أن تكون إحدى أذنيك سقطت في غفلة منك من شدة الزمهرير الذي يأتي بصفير، وكأنه صفير الجنّ، وإن حظيت بزيارة في الربيع فستجد السهوب خضراء تتلألأ بألوان الزهر والشجر، وكل خيرات الفاكهة والخُضر.
هنا.. بعض ما دونته الذاكرة من زيارة مدينة «المآتا» الجميلة فقط في كازاخستان، والتي اختطت لنفسها طريقاً مختلفاً للنهضة الشاملة، ترجمة لقول رئيسها وشعاره؛ نوّر حولك، ومن هم في حولك، بعدها تشع المعرفة، ويستوي العمل.
- هناك قول مأثور عند شعب الكازاخ، إن الكازاخستاني لديه دائماً حصانان، واحد يركبه، وواحد ينحره، فلحم الخيل هو إكرام للضيف، وحليبها الطازج للفرح بقدومه، ومن حليبها المتخمر يصنعون خمرتهم.
- هناك في مدينة «المآتا» العاصمة التاريخية، قبل أن يبنوا عاصمة حديثة بكل المقاييس هي الآستانه، كنيسة مصنوعة بدون دق أي مسمار فيها، تسمى «voznesenskii sobor».
- لديهم شوي مثل شوي عيد الأضحى عندنا، يجمعون كل الذبيحة، لا يتركون شيئاً منها، ويدفنونه في الأرض.
- في «المآتا» زرت جامعة الفارابي التي تأسست قبل 88 عاماً، واليوم أصبح ترتيبها الثانية والعشرين على المستوى العالمي، فيها قاعات ومكتبات بأسماء العديد من الدول التي تدّرس لغاتها كالصينية واليابانية والفارسية والهندية، ورغم أنهم يدرسون اللغة العربية إلا أنه لا قاعة ولا مكتبة توازي مكتبات اللغات الأخرى، فليت أن تؤسس قاعة باسم الإمارات أو باسم الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، تخص العربية وآدابها أسوة باللغات الأخرى، خاصة وأن هناك شغفاً بتعلم اللغة العربية وآدابها، ولأنها جامعة تحمل اسماً عظيماً في تاريخنا العربي والإسلامي، وهو «أبو نصر الفارابي» الذي توفي في دمشق، وقبره موجود فيها.
- بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أصبح استعمال أحرف «Cyrillic» القديمة، هو السائد في الكتابة، وتخليهم عن الأحرف الروسية، والتي يسعون لتغييرها إلى الحروف اللاتينية في السنوات المقبلة، حيث إن أحرف اللغة الكازاخستانية 42 حرفاً لزوم النطق.
- معنى اسم مدينة «المآتا» هو تفاحة الجد، لأنها مدينة تشتهر بالتفاح، وخاصة «الأبورت»، حيث يمكن أن تزن التفاحة الواحدة كيلو غراماً.
- أطول كلمة في الكازاخستانية هي بعدد الحروف الهجائية الروسية، البالغة ثلاثة وثلاثين حرفاً، «قانا غت تان ده ريّل ما غان دقّ تا رّي نزّ دانّ»، وتعني عدم الارتياح أو الرضا.
- تبقى المدن الجميلة في أوزبكستان، خاصة بخارى وسمرقند، وهاتان المدينتان تحتاجان لوصف وقراءة أخرى في الأمكنة والناس والموروث المتنوع، فيها ستجد نفسك إن كنت محباً للتاريخ ومروياته، وساعياً لمسالك طرق الحج والحرير.