باقتدار كبير، نظم الاتحاد العربي لكرة القدم، النسخة السادسة لكأس العرب للصالات، والتي توج المغرب بطلاً لها للمرة الثانية توالياً، وقد كان النهائي هذه المرة سجالاً تكتيكياً جميلاً بين «أسود الأطلس» و«أسود الرافدين»، حسمته خبرة المنتخب المغربي بثلاثية نظيفة، هي منتهى عروض فنية غاية في الجمال، أبدع في تقديمها منتخب المغرب على مسرح التباري، دليلاً على ارتفاع مؤشر الأداء الذي يبهر بل ويعجز كل وصف.
لم تخطئ أي من المنتخبات العشرة وهي تقبل على البطولة مشاركة بأريحية كبيرة، لأنها ربحت نقاطا كثيرة في مؤشر التنافسية والاحتكاك، حتى تلك التي منيت بخسائر كبيرة، ولم يترك الاتحاد العربي لكرة القدم شاردة ولا واردة، لكي يكون تنظيمه على درجة عالية من الجودة.
وقطعاً إن هنأنا المغرب بلقبه، وقد غدا منتخباً مرجعياً في محيطيه العربي والأفريقي، هنأنا منتخب العراق على وصافته وعلى جرأته وشجاعته وهو بعد في مرحلة ميلاد جديد.
إلا أنني أدعوكم لكي نتعمق في قراءة هذا التتويج العربي لمنتخب المغرب، لأنه وصلة من زمن الإبداع الذي لم يكن بالأمس القريب، سوى حلم في الكرى، ولأنه صورة من النجاح الذي ننشده كعرب، ولا يمكن أن يتحقق من دون عمل هيكلي مدروس، ومن دون إرادة جماعية على بلوغ القمم، ومن دون رؤية بعيدة يتم تنزيلها بشكل براجماتي.
قبل نحو عشر سنوات أو يزيد، كانت كرة الصالات بالمغرب أشبه بالزائدة الدودية، كرة طلعت كالورم الخبيث ولا أحد يكره أن يجتثها من الجذور، بل إن الإطار الفني هشام الدكيك الذي أحدث هذه الثورة النوعية، كان يتسول للاعبيه قمصاناً وكرات وصالات مهترئة لكي يرمي بداخلها بذرات حلمه.
كان يجب أن يأتي فوزي لقجع على رأس اتحاد الكرة المغربي، ليستمع لصوت الأنين المنبعث من الضلوع، ولكي يقف على صدى الحلم في المدائن المهجورة، ويقتنع بخطاب الأمل المبحوح في «الحلق» المجروح.
ما فعله اتحاد الكرة أنه رسم لكرة الصالات شكلاً للحلم وخريطة طريق، متع هذا الصنف بالإمكانات اللوجستية والفنية، وترك البذرات تنمو وتينع، إلى أن كان الحصاد الرائع، فقد تمكن أسود الصالات في زمن قياسي من أن يصبحوا مرة ومرتين أبطالاً لأفريقيا، ومرة ثم مرتين أبطالاً للعرب، وفي ثالث مشاركة لهم بالمونديال سيتمكنون من بلوغ الدور ربع النهائي، وقبل أن يجددوا جلوسهم على عرش كرة العرب للصالات، أخبروا بأنهم أصبحوا في المرتبة العاشرة عالمياً.
هذا النجاح الذي عشت كل تفاصيله، وما أجمله، هو قبل كل شيء نجاح رؤية عقلانية لا شطط فيها، ونجاح تنزيل براجماتي لا شذوذ فيه، ونجاح إرادة جماعية صلبة كالفولاذ لا تنكسر.
هذا النجاح هو المرجع، لكي نصنع السعادة في رياضتنا.