كم عيد مر وأنت يا شقيقتي الحبيبة لست في العيد معي. كأنما الأعياد التي نزهو بها فرحاً وتبريكاً تأبى أن تجمعنا. كأنها نسيت أننا في كل عيد كنا نحتفي فيه بلقائنا. ها هو عيد أقبل وأنت في البعد القصي ساهية عن عيد يوقظ شوقي إليك. إذ كيف يكتسب العيد فرحته وأنت لا قربي ولا حنان لمسك يلبسني ثوبا جديدا، ولا حنو يدي تعد لك شاي الصباح لتشرقي بابتسامتك وتقبليني وتشكريني.
في الأعياد التي مضت قبل عيدنا هذا عذرتك، فحزن فقد الوالدة أوجب من حضورنا. ومهما بلغنا في الشوق عمقا، يظل الحزن مشدودا إلى خفقنا. ها هو العيد جاء يا أختي، وأنا أشهق باحتدام شوقي إليكِ. أتعرفين كم افترقنا منذ اختلفنا على إرث هزيل؟ وكم صار البعد أطول من قربنا؟ أليس العيد يلتقي فيه المحبون؟ أليس العيد غفرانا وفرحة ننسى بها عتبا يباعدنا؟ يلم العيد يا أختي شمل الذين افترقوا، ويجمّع الأهل حول مائدة وأحضان. وينسي المحبون والأقرباء عداوات أثقلت قلوبهم وفرقهم عتبُ. ثم يلتئموا بفرحة العيد، كما تبرى الجراح بلمسة بلسم. فالعيد ليس نهاية طقس صوم والأضحية أو ابتداء العام، أو فرحة الميلاد، لكنه الحب ناهضا من سقطة النسيان، لكنه القرب بعد ضراوة البعد.
لو كنت بجانبي وأنا أخط بنبض قلبي سطرا وبطاقة تهنئة، لكان العيد أعيادا والناس حولنا صخب وأفراح ملونة. لو كنت قربي كنت ارتديت أجمل أثوابي، وزينت الزوايا بالفل والورد والريحان، ورفت خطاي كالفراشة من فرح على الأغصان. لو كنت قربي ربما أنسى أن العيد كان لكل الناس، وأذكر أنه عيدي، لكني سأحتفل بالعيد وبأحبتي فأنت بينهم في القرب كنت أو في البعد. فالبعد بين المحبين ليس إلا مسافة في الأرض، يجتازها الشوق كالبرق بأقل من لمح البصر. سألبس الثوب الذي اخترته لي يوما وأحببته. وسأعتقد أنه جديد. وسأزهو بزينتي وأرتدي العقد الذي شبكته يوما برقة أصابعكِ حول عنقي. وسأعلق الأقراط ذاتها في أذني لتهتز على إيقاع فرحي. وأعد لك الشاي معطرا بأنفاس محبتي، والطعام مبهر بالبهارات التي تحبينها. وسأنثر الورد والفل على صورتك المعلقة قبالة سرير نومي، دون أن أشم إلا رائحة الورد الذي ينث من تنفسك. وحين أستغرق في نومي بينما العيد يطرق الباب، أوقظك دون أن أعتقد أنك لست هنا، وأن من سيوقظك هناك هو أنا، فاستيقظتِ بشغبك المعهود، وقلتُ لك مبارك كل عيد ونحن بالمحبة رغم البعد أشواق وأعياد وتجديد!