كان يجب أن نفتح العيون كما تفتح الأبواب على مصراعيها، لنصدق أن مدرجات استاد مولاي عبد الله بالرباط عاصمة المغرب، تغلي كالمرجل تحت أرجل قرابة 46 ألف متفرج، حضروا جميعهم لمؤازرة ودعم منتخب سيدات المغرب، وهن يواجهن منتخب نيجيريا في نصف نهائي كأس أمم أفريقيا للسيدات.
ما حدث في ذلك اليوم الجميل من أيام يوليو، أن الكثير من الأرقام القياسية تحطمت والكثير من المصادفات الجميلة وقعت، فأنبأتنا كما أنبأت كرة القدم النسوية بأن التاريخ لحظتها كان يكتب بمداد من ذهب.
في تلك المباراة الأنطولوجية التي وضعت سيدات أسود الأطلس في مواجهة منتخب نيجيريا، المتوج بألقاب أحد عشر نسخة من أصل النسخ 13 لكأس أمم أفريقيا، كان مونديال القارة السمراء بنون النسوة يشهد الحضور الجماهيري الأكبر والقياسي، قد لا يقترب من الرقم القياسي الذي سجلته مثلا مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا للسيدات بالكامب نو في هذا العام، بين برشلونة وفولفسبورج الألماني وتجاوز الحضور يومها الواحد والتسعين ألفاً، ولا حتى من الرقم القياسي الذي سجلته مباراة أميركا والصين باستاذ روز بول، في مونديال السيدات سنة 1999 واقترب من التسعين ألف متفرج، إلا أن الرقم دال على الطفرة النوعية التي حدثت بأفريقيا، فكرة القدم النسوية التي ووجهت بالازدراء والتنقيص، بل وحوربت ظاهرياً وباطنياً تحت ذرائع كثيرها واه قائم على تمييز مقيت، كسرت العديد من التابوهات وبرزت بدعم قوي من الفيفا ومن الاتحاد الأفريقي كعلامة فارقة في المشهد الكروي.
وكان منتخب المغرب واجهة بل وملمحاً لهامش التطور الكبير لكرة قدم السيدات في أفريقيا، فبعد ثلاث سنوات من العمل في العمق استحضرت خلالها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، استراتيجية ورؤية ثم خطة عمل غاية في الدقة والتطابق تجاوزت كثيرا نمطية التدبير التي دامت سنين عديدة، ستوضع الرافعات الكبرى للمشروع الضخم، وسيأتي الحصاد جميلاً جمال الزرع، فقد تأهل منتخب المغرب للفتيات أقل من 17 سنة لكأس العالم التي ستنظم بالهند في إنجاز تاريخي وغير مسبوق، واليوم لم تكتف لبؤات الأطلس بتحقيق التأهل الأول من نوعه لمونديال السيدات بأستراليا ونيوزيلندا، ليكن أول سفيرات لكرة القدم النسوية العربية في المونديال، بل إنهن نجحن في تحقيق ما هو أكبر، فقد وفقن في إقصاء منتخب نيجيريا الذي دخل البطولة مزهوا بثوب البطل، وعبرن للمباراة النهائية.
وسيكون إنجازاً فريدا وتاريخياً لو تفلح سيدات المغرب في التتويج باللقب الأفريقي في ثالث بطولة يشاركن فيها عندما يلاعبن في نهائي مثير سيدات جنوب أفريقيا.
وكما تباهي الفيفا الاتحادات الدولية الأخرى، بما أنجزته في السنوات العشر الأخيرة من طفرات جودت الكرة النسوية، فإن أفريقيا فخورة بكونها ركبت القطار، كما المغاربة سعداء بسيداتهم اللواتي حققن العالمية.