يراقب العالم كله حالات وبوادر التغير المناخي هذه الأيام، والحرائق والفيضانات في أكثر من قارة، إذ تطرح أسئلة حول مستقبل الأرض والناس في السنوات القليلة المقبلة. ومع ذلك، هناك نظرة أخرى متفائلة وتبعث على الأمل مصدرها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تحتضن الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر دول (COP28) في عام 2023، وهو أهم وأكبر مؤتمر دولي للعمل المناخي بمشاركة قادة وزعماء العالم. ويأتي هذا التفاؤل بعد أن تعهدت الدولة بتحويل التحديات المناخية إلى فرص للنمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام.
الجديد في الأمر، أن منظمة اليونسكو، طالبت بإدراج موضوع الثقافة بشكل كامل في أجندات واستراتيجيات الدول التي تعمل على هذا الملف، كون الثقافة مكوناً أساسياً وجوهرياً في كامل الرؤية التي ترغب في الحد من مخاطر التغير المناخي، بداية من العودة إلى التراث المادي والعمارة التقليدية التي تقاوم تقلبات المناخ، وصولاً إلى الصناعات الثقافية والفنون والآداب التي بلاشك، ستتأثر بهذا التغيير، ويكون لها مردود عكسي على ثقافة الشعوب وأساليب وأنماط الحياة الاجتماعية والمدنية المتحضرة.
وكون الثقافة جزءاً من هذا الملف المهم، أصبح من المحتّم أن تبدأ المؤسسات الثقافية بالتفكير من الآن في أهمية مساهمتها، بحثاً وعملاً، في مؤتمر المناخ المقبل. فالقصيدة والعمل الفني والمسرحية وبقية الممارسات الإبداعية تلعب دوراً حقيقياً في رفع مستوى الثقافة في هذا الموضوع. وقد شاركتُ خلال شهر يوليو الجاري في مهرجان «ميدلين» للشعر في كولومبيا، وهو أكبر مهرجانات الشعر في العالم. ولفت نظري الاهتمام المطلق بموضوع المناخ من خلال شعار المهرجان (السلام العالمي - ميثاق مع الطبيعة) إذ تصدرت قضايا البيئة والمناخ مفاهيم ورؤى هذا اللقاء العالمي لشعراء العالم، حيث تزايد القلق من أثر هذه التغيرات على الثقافة العالمية وتراث الشعوب بعد أن دمرت الأعاصير والفيضانات أماكن كثيرة صنفتها اليونسكو من ضمن مناطق التراث العالمي.
تعهدت الإمارات بتحويل جميع هذه التحديات إلى فرص للنمو، ليس فقط من خلال العمل على تخفيض نسب الكربون في الانبعاثات الحرارية، وإنما أيضاً بجعل الثقافة لاعباً أساسياً في هذا التحول، ولدينا في الدولة منظومة ثقافية هائلة تستطيع بالفعل أن تُحدث أثراً في طريقة إدماج الثقافة بالكامل في استراتيجيات العمل المناخي، لتسهم الكلمة والصورة والممارسة الإبداعية في جعل العالم مكاناً قابلاً للعيش الجميل.