لو يعلم الكبير أنه في أمس الحاجة إلى الصغير، لأنه يمنحه حدود الدائرة التي تحيط بمكانته، وتؤكد مقدار قامته، لو يعلم الكبير ذلك، ولو تخلى عن ظلام الأنا، وتجاوز الحفر السوداء التي تضعها تلك الأنا في طريقه كي لا يصل إلى الآخر بصورة عدوانية، مكلفة، ومدمرة، ولا تترك شاردة ولا واردة إلا وقد نبشت لها القبور، وحفزت لها خنادق الفناء، لو علم الكبير كل ذلك لتفادى هذه المغامرات، وتجنب الصدام، وتحاشى إغضاب القريب والبعيد، لأنه ما من غضب إلا ويدفع ثمنه الغاضب والمغضوب عليه، لأنه في ساعة الغضب تتجلى الأنا، وتبرز سكاكين الموت، ولا تتورع في القضاء على الأخضر واليابس، لأن الأنا كائن أعمى لا يبصر ولا يدرك، إنه يذهب إلى حروب الفناء بدافع حب التفوق، وإبراز القوة تحت شعارات مختلفة ومتنوعة، ومتلونة، ولا حدود لتقلباتها، وأهوائها. ونسي الكبير أنه بكل بساطة يستطيع أن يكسب حب الآخر، ورضاه إذا ما بسط الاحترام بدلاً من السخط وسوط اللئام. 
هذه سنة الحياة لا يستمر ظلم، ولا تدوم قوة، فالحياة لعبة مزدوجة ما بين الملهاة، والمأساة، والحضارات تتداول الرقي والتطور، كما هي حياة الأفراد تبدأ بضعف، ثم قوة، ثم ضعف وهكذا دواليك، لا شيء يثبت سوى الحلم الزاهي، إنه معتق بمشاعر الحالمين بعالم مزدهر بذات لا تخضع للأنانية، ولا تتبع خطوات الأوهام، هي ذات تجلت، وعلت وارتفعت أغصانها إثر وعي الإنسان بقيمة الحب عندما تزدهر في القلوب، وعندما ترفرف وريقاته في بساتين الحياة، إنه الإكسير الذي يحمي من الوهن، وترياق الديمومة، الذي يضع الإنسان أمام مسؤولياته التاريخية، ويفتح له جداول الحقيقة وهي كثر وأهمها أنه ليس بالقوة نستطيع حماية الحضارة البشرية، وليس بالشعارات المريضة، نستطيع ذلك بالشفافية، ورقي الحوار مع الآخر، ومن دون النفخ في أبواق الجمر، ومن دون البحث عن مبررات للسيطرة على إرادة الآخر. 
العالم اليوم وبعد كل هذا الانفتاح على العقل المبدع، والمخترع، بحاجة إلى فنجان عاطفة نقية تمنع عنه صداع التفوق الموهوم، وكل ما تفرزه الأنا من خيالات مريضة. العالم بحاجة إلى الحب وليست هذه نظرة رومانسية بقدر ما هي الحقيقة، فالحياة بدأت بدافع حب الحياة مما سدد خطوات الإنسان واستطاع أن ينجح في التغلب على الظواهر الطبيعية، ولكنه عندما أصيب بالأنانية، صار العقل الجبار مطية طيعة لنوازع مدمرة، وهذا ما نشهده اليوم من تدمير للطبيعة وللإنسان، بفعل جشع، وطمع وخداع بصرية تصور للإنسان أنه يستطيع البقاء قوياً أكثر إذا ما بسط نفوذه على مجريات الطبيعة، ومكوناتها، وقدراتها. وهذا ما لم يحدث في التاريخ، بل العكس تماماً، وهتلر مثال على ذلك.