تميز كل فرد بتفرده، ولكن في داخل كل فرد يكمن أفراد آخرون لا يعرفهم. - أدغار موران -. كل إنسان ليس هو بقدر ما هو نتيجة توالد أفكار على مدى حياته. هذه سيرة الإنسان في علاقته بالآخر وهذه هي جبلة الأفراد الذين يولدون فرادى ويذهبون فرادى، ولكن ما بين الورقتين، ورقة الميلاد وورقة الوفاة، هناك تكمن الأفكار، وهي نتيجة طبيعية لمرور العقل من خلال علاقات متشابكة مع الآخر. 
وهذا ما تعنيه فلسفة الوجود عندما صرح سارتر قائلاً - الآخرون هم الجحيم ولكننا لا نستطيع أن نعيش خارج هذا الجحيم. فلكل نقيض نقيض وما بين النقائض تحدث التكاملات، ولا يمكن للإنسان أن يتحرر من قبضة هذه المختلفات - المتكاملات، الإنسان وليد هذه المختلفات، وهي التي تنمي فيه الحلم، وهي التي تزرع في جذوره بذرة الوصول إلى النضج الحقيقي، فالمسألة تخضع لمدى قدرة الفرد بأن يمهد الطريق لعلاقة بين الأضداد ويجعل منها متكاملات، بمعنى أن لا نرفض المختلف بقدر ما نجعله سبب نمونا، وأساس علاقتنا مع الحياة والتي هي نتيجة مباشرة لهذه المختلفات، والتي نطلق عليها المتناقضات. 
فالليل يعقبه النهار، والنهار هو ضوء الضوء، والجفاف يليه البلل، والبلل هو قميص الجفاف المغسول من حرقة اليابسة. نحن ننهك أنفسنا وتتعاظم فينا المعضلات عندما نسيء استغلال النقائض، ونصبح في الفراغ حشرات تائهة بلا موطئ قدم.
نحن نكابر عندما لا نعترف بالعتمة ونعتبرها شرا، والحقيقة أن العتمة هي سبب بحثنا عن النور، كما أن الجهل هو سبب تعلمنا كيف نخرج من الصندوق الضيق للجهل. لم هناك حلم لولا وجود المختلفات فهي الوازع كما أنها الرادع لصد كل ما يعيق الحضارة وكل ما يعرقل العقل من ملامسة شغاف النجمة، وكل ما يحد من قدرتنا على الوصول، فلا تقدم من دون محفزات، ولا تطور من دون تحريض الخارج للداخل. هذه طبيعة الأشياء، والأشياء لا تغادر منطقة الصدأ، إلا إذا رافقها البرق والذي بدوره يخرج من أحشاء الغيمة قطرة المطر. لولا الصحراء لما خاضت الركاب أمواج الرمل لتصل إلى منابع العذوبة، ولولا هدير الموجة لما صنع الإنسان السفن العملاقة. فالإنسان يرى نفسه متفرداً، ولكنه في العميق من تلك الذات هناك يكمن الآخر الذي قال لك لنسعى معا من أجل الحصول على أكسير الحياة. بدأ الإنسان وحيدا، ثم نشأت الأسرة، ثم العشيرة ثم القبيلة ثم الوطن، وهو النتيجة القصوى لخلود الإنسان، وانتمائه إلى كيان يضمه، ويحميه من العواتي، والشرور.
الوطن يجعلك كبيرا، والوطن يمد لك شراع السفر في بحار تجد فيها هناك لؤلؤة الفرح، وتحظى بالسلام، والطمأنينة.