تُرى كيف يستطيع من يولي وجهه إلى رب العزة أن يكون له وجه أمام البشر ووجه آخر يستشعر منه بالخشوع في الصلاة وعند تأدية باقي الأركان. واكتشفت حقيقة خطيرة هي أن الأمثلة الشعبية صُمِمَت لتحاكي هذا العنصر من طبيعة الإنسان ولا سيما تلك السمات المرتبطة بالدهاء والغباء في آنٍ واحد. على سبيل المثال، يقولون «اللسان ما فيه عظم»؛ أي أن المرء عندما يسترسل في الكلام قد يسوقه ذلك إلى التهلكة فيضطر إلى الاعتذار أو الإتيان بما هو أكبر من ذلك ليحفظ ماء وجهه ويعيد للناس اعتباراتهم. وفي مثلٍ آخر يُستخدم نفس العظم للجم المتفوهين بحديثٍ في غير محله، فالذي يثرثر وكثيراً ما يقاطع الجُمَل والعبارات والأفكار التي يشارك بها الآخرون ويرفع صوته في الحديث يقولون له «شرات العظم في الحلق»؛ أي حجر عثرة في طريق المعرفة والتحاور. أتعرفون يا أصدقائي ما القصد من هذه الأمثلة في الموروث؟ إنها تعني احترام آداب الحوار ومعرفة متى نقول ما نود قوله وبأي طريقة نقوله ولمن نوجه حديثنا بالتربية والقيم التي نشأنا عليها.
لذا تستوقفني إبداعات الشعراء وتفاعلي مع الكلمات التي يتغنى بها مبدعو الغناء والتلحين، ثلاثيات عشقناها تحدثت بشجاعة وجمال ولباقة عن الحب وكأنها تعكس لسان حالنا. الكلمات هي الكلمات ولكن كيف نوظفها ومتى نقولها وكيف نصهرها مع واقع ذي تأثير على الآخرين. أتساءل دائماً: هل يكتب الشعراء شعرهم ليؤثروا على الآخرين أم للتعبير عن مشاعرهم واللي فيها فيها؟ لذا يخيم الغموض على بعض استعاراتهم وكناياتهم لأنها شخصية وسرية، وهناك حبكة لا يعرفها إلا من كان في مقامهم أو كشف على بطن الشاعر.
للعارفين أقول، الفرق بين الصراحة والوقاحة أشبه بالرابط المطاطي عندما تكون رزمة النقود كبيرة نحتاجه ليضعها في ترتيبٍ يدل على ترابطها وأهمية حجمها وقيمتها، ولا نحتاج إلى ذلك الرابط عندما تكون النقود قليلة، ومن الممكن جداً أن نلفها بأي وضعية كانت ولا نذكرها أو نتباهى بها. بين السطور ستعرفون أنه يتعين على التائهين أن يجدوا أنفسهم وعلينا جميعاً أن نكون بجمال وعظمة الوطن في قول الحق والحقيقة وكل جميل تلمسه أعيننا في وطن المحبة.