عندما يغترب الطفل عن والديه، باتخاذ لغة من يخدمه هي جوهر العلاقة مع الأم والأب، وكذلك الأشقاء من هنا تبدأ القماشة التي تغطي جسد العلاقة بالتمزق، ومهما حاول الأهل ترقيعها إلا أنها تظل في شكلها الشائه، والمبدد، والذاهب إلى غي الضياع والتشتت.
اللغة هي المعيار للهوية وهي المقياس لقوة الالتزام بالقيم المجتمعية وصلاة العلاقة بين الإنسان وتاريخه، ومعتقداته. هذه الثوابت لا يمكن أن ترسخ خارج نطاق اللغة، فنحن منذ الصباح الباكر وحتى وقت النوم نمارس اللغة كما نعيش حالة التنفس، شهيقاً وزفيراً. توجيه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى ترسيخ الهوية الوطنية، وتعزيز اللغة العربية نابع من إيمان القيادة بضرورة الربط ما بين لغتنا، وهويتنا كونهما رئتي الجسد الواحد. واليوم نشهد الاهتمام البالغ الذي تقوم به دائرة الثقافة والسياحة في العاصمة أبوظبي، باللغة العربية وتأسيس مركز اللغة العربية في هذه الدائرة لدليل على الأهمية القصوى التي توليها الدائرة للغة الضاد، وهي اللغة التي تخرج من فطاحل علماء ومفكرين وجهابذة في الخطابة نقلوا الأفكار السامية إلى الآخر بوعاء لغوي مسبوك برصانة، وكأنه سلسال الذهب، وهذا ما جعل ملياراً وأكثر من بني البشر يتحدثون اللغة العربية ويجيدون رسم قواعدها، ويطرزون حروفها بصور بلاغية مدهشة، وبالغة النضوج. اليوم وقد بلغت الإمارات مبلغاً يسر الناظرين، ويبهج السامعين، ويسعد المتابعين لنهضتها المباركة في كل مجالات الحياة، أصبح من الضروري الاهتمام باللغة العربية، وتمهيد الطريق بينها وبين الآخر، ويجب أن تكون البداية، هم الأطفال، لأنهم الأكثر عرضة لمخالب التشويه، والأكثر تأثراً بما تلقيه عليهم الألسن غير العربية، حتى أصبحت الغالبية العظمى من صغارنا تمسك بأطراف مهترئة من لغة هنا، ولغة هناك وعندما يتحدثون، فإنك لا تسمع سوى نقيق ضفادع وهو ما يؤلم، ويثلم الخاطر، ويجعل الخوف أكثر على الهوية، والتي باتت مهددة بفعل الغرغرة في تداول الحديث بين الوالدين وأبنائهم.
نعم لقد حان الوقت لوضع حجر الأساس لمناهج قادرة على فك الشفرة ما بين الحاجة الوجودية للغة العربية، وبين الضرورة لفهم لغة الآخر، لتفادي الحرمان من التداخل ما بين الحضارات، وهو أمر لا غنى عنه بأي حال من الأحوال، فليس هناك أمة تستطيع أن تعيش في جزيرة معزولة عن الكون من حولها. نحن بحاجة للغتنا لأنها هويتنا، وبحاجة إلى لغة الآخر كونها المدى الذي نصل من خلاله إلى القواسم المشتركة.