فتشت في الذي قيل عن «الفرعون الصغير» محمد صلاح، وقد غدا بقوة ما يبدعه من نجوم كرة القدم الحديثة، متنافساً على الجوائز التقديرية مع العديد من الأساطير، فوجدت النقاد والرواة قد أجمعوا على أن محمد صلاح اليوم غيره محمد صلاح الأمس، وتحديداً قبل أن يستقدمه ليفربول ليصبح الفصل الجديد لملحمته التاريخية.
طبعاً لا قياس مع وجود هذه الطفرة الرائعة، في فكر وأداء ونمط عيش «مو صلاح»، فالفوارق في المبنى العام للإبداع الفردي الذي ينهض بالأداء الجماعي، ليصل به لمرتبة خارقة، كثيرة كثرة ما اشتغل عليه صلاح ليطور كل شيء في منظومته.
وعندما يصبح محمد صلاح لكتاب السير الذاتية مرجعاً في الاجتهاد الذي لا يبقي باباً موصداً أمام الإبداع، ولا يترك هامشاً للمستحيل، فإنهم يؤسسون ذلك على تفاصيل كثيرة في المعيش الاحترافي، وقد ارتقى لمستويات لا تترك هامشاً ولو صغيراً للمصادفة، وعلى الأداء الفردي الذي ما تطور فيه شيء، أكثر من الجانب الذي يرتقي بالأداء الجماعي ويطور منظومة لعب الفريق، وفي ذلك يعرضون لأرقام ولإحصائيات عليها تقوم المقارنة العلمية، وعلى أساسها يكون التدليل على قوة الارتقاء موضوعياً.
لكنك عندما تستمع إلى رأي الفلاسفة التقنيين تنفتح أمامك زاوية للرؤية، وتصبح ممكنة المقارنات المتخفية، لذلك أثارني فعلاً المنظار الفني الذي منه نظر الألماني يورجن كلوب مدرب ليفربول، إلى ما تغير في منظومة لعب «مو صلاح».
ليورجن كلوب أقوال وأحكام وقياسات كثيرة في حق صلاح، يصل في بعضها لحد الغزل، من دون أن يتخلى في ذلك عن علميته وعن براجماتيته، إلا أن ما قاله هذه المرة كان دقيقاً لا يرى إلا بمجهر رجل عالم، قال كلوب لشبكة «سكاي سبورت»: هناك أسرار في التطور المذهل لـ «مو صلاح»، ومنها أن «الفرعون الصغير» وجد قبل فترة قدمه اليمنى وكأنها في إجازة، عاطلة عن العمل لا يستفيد منها كثيراً، لذلك ما فعله كان أمراً جنونياً، فقد وصل هذا العام وقدمه اليمنى تعزف بشكل جميل، ترسل كرات مذهلة، وتزيد من حمولاته الفنية المؤثرة التي تخدم الفريق، لا يمكنني أبداً أن أنسى هدفه الرائع في مرمى تشيلسي.
هذه جزئية فنية صغيرة لا ترى إلا بعين الخبير، ولكنها في ميزان صناعة الفارق تصبح حتمية ضرورية لتحقيق النجاح، وعندما يعترف كلوب لـ «مو صلاح» بهذا التطور الرهيب في مكونات الفعل الإبداعي، وهو يرفع الخرس عن قدمه اليمنى، فذلك دليل على أن صلاح بات مهتماً بكل التفاصيل التي تصنع تميزه وخصوصياته، ودليل أيضاً على أنه لم يتسلق الدرجات، ولم يحفر في الصخر بالأنامل، ليصل إلى القمم، ويقف بمحاذاة العمالقة، إلا لأنه شقي من أجل ذلك.