نتوقع، نحدس ونتكهن، وبين الحالات الثلاث مسافات يمشي فيها اليقين لعله يتحقق فيقطع دابر الشك.
وفي كرة القدم يصعب هذا المشي لوعورة التنبؤ بالذي يأتي، أو بالذي يتخفى في الأكمات ويسكن خلف الأفق، فمن أين يأتينا إذاً اليقين أننا سنشهد نسخة تاريخية وغير مسبوقة من «دوري أدنوك للمحترفين»، النسخة التي ستنطلق رسمياً غداً؟
ما الذي ينبئنا بأن موسم الدوري الإماراتي الجديد سيكون مختلفاً وجميلاً ومشبعاً بالإثارة؟
المؤشرات التي ترفع سقف التوقع بهذا الأمر كثيرة، منها أن الأندية استعدت كلها بمقاسات فنية وبدنية مختلفة، فمع انزياح الجائحة أمكن لأغلب الأندية أن تحلق صوب مواقع للإعداد بأوروبا، مواقع منحتها الطاقة على الاشتغال والتخيل، وهيأت لها بيئة تنافسية جيدة من خلال مباريات ودية وازنة أمام أندية أوروبية محترفة، تحققت معها الغايات التي يرجوها المدربون من المعسكرات التي تحضر للموسم الكروي.
ومنها أن الانتدابات أنجزت بمقاربات فنية جديدة، ارتكزت بالخصوص على معياري الجودة والتطابق، وأتصور أن التهافت الذي بلغ أقصاه في مواسم خلت، ليعطي نوعية فاشلة من الصفقات، قد انتفى هذه المرة، مع اقتناع الإدارات الرياضية بأن القيم الفنية المضافة التي يبحث عنها دوري «أدنوك للاعبين المحترفين»، توجد في لاعبين بأعينهم، وأنا مع الذين قالوا إن سوق الانتدابات الصيفي تجنب كثيراً الغلو والمزايدة بل والحماقة والجنون اللذين يظهران في بعض الصفقات.
إلا أن المؤشر الأقوى على أن «دوري أدنوك» سيشهد نسخة غير مسبوقة نوعية المدربين الذين تم جلبهم من قبل الأندية الإماراتية، لينضافوا للمدربين الذين أثبتوا أهليتهم، وما انفصلت أنديتهم عنهم، وأقربهم للاستدلال الأوكراني سيرجي ريبروف الذي أعاد العين إلى منصات التتويج بطلاً للأرقام وللفعالية وللفرجة ولمتعة العيون أيضاً.
ولطالما سألت إن كانت أنديتنا تستند، في تعاقداتها مع المدربين، إلى معايير فنية وتكتيكية ورياضية، تضمن وجود نوع من الوحدة العضوية في فكر وطريقة اشتغال هؤلاء المدربين، فلا نكون مع عشوائية الاختيارات أمام مشهد كروي مضطرب وبائس ومفكك الأوصال ينتج دورياً متصدعاً وكله نشاز.
بوجود الأوكراني سيرجي ريبروف، والروماني دانييل إيسيالا، والهولندي مارسيل كايزر، والبرتغالي ليوناردو جارديم، والألماني ثورستن فينك، والروماني كوزمين، والأرجنتيني خوان أنطونيو بيتزي، نحن أمام فسيفساء فني يحفظ مع التنوع والتعدد الخصوبة وجودة المنتج، فلئن تفرقت بين هؤلاء المدربين الفلسفات والتقاليد الكروية والمعيش الرياضي، باختلاف البيئات التي منها جاؤوا، فإنهم يجتمعون على حتميات كرة القدم الحديثة، ويجتمعون على خصوبة رصيدهم التدريبي.
وعندما نوقن أن الهرم الكروي لا يمكن أن يستقيم إلا بأندية مهيكلة ومؤطرة ومنتجة فإننا بذات اليقين نجزم بأن ارتقاء كرة القدم الإماراتية، بمنتخباتها وأنديتها، لن يكون إلا بدوري يتطور ويرتقي دائماً لما هو أفضل.