تخيل أن تترك شجرة على أرض عارية من الماء، ماذا سيحدث لها؟ بالطبع سوف تذوي، وتذبل أوراقها وتصفر، وتصبح بعد حين جرداء خاوية، عارية من الأخضر.
تخيل أنك تحبس قطة في قفص محكم الإغلاق، ولا فيه متنفس بحجم ثقب الإبرة، ماذا سيحدث لها؟ سوف تفارق الحياة، وتكون أنت المسؤول عن نفوقها، لأنك حرمتها من الهواء، وتركتها في قبضة ثاني أكسيد الكربون، والذي قام بدوره في ملء رئتي القطة بسمومه القاتلة.
عندما يحرم الإنسان من الحب، وعندما يتربى في بيئة جافة، خاوية، مشاعر أهلها مثل نشارة الخشب، أو مثل نخالة القمح، أو ضحالة الماء. فإن هذا الشخص ينشأ في حالة أنيمية وجدانية، لا يرى في الحياة غير الشح، والقتر، والفقر، في الإحساس الأمر الذي يحوله إلى كائن بلاستيكي، أعجف، لا حياة فيه.
الحب يصبح في كثير من الأحيان أهم من الماء والهواء، فالإنسان باستطاعته الغوص في الأعماق لمدة دقيقة أو أكثر، وقد يصمد ليوم أو أكثر من دون ماء، ولكن حاجته إلى الحب لا تقبل المساومة لأقل من ثانية، فربما موقف بسيط لا يتجاوز وقته الدقيقة، يحول هذا الشخص إلى آلة حادة، محترقة بنيران الكراهية، وربما موقف من قبل أحد الوالدين يخلق من الطفل الغرير، كائناً لاسعاً، لاذعاً، جشعاً، لا يرى غير نفسه في هذه الحياة.
الإنسان خلق فردانياً، يحب ذاته، فإن تمرغت هذه الذات تحت سطوة أسئلة من أنا فسوف يحيق بهذا الإنسان شر مستطير، لأن مثل هذه الأسئلة الحادة، والحاذقة تقوم بحفر ثقب عميق في الذات، ومع مرور الزمن تتكدس في الثقب الحشرات الحمراء التي تنخر جذوع النخل، وتفرغها من مضمونها فتتهاوى وتقع على الأرض مثل أسد هصور شاخت مفاصله، وهرمت أعضاؤه ولم يبق منه سوى الشكل الخارجي كأسد.
الحب كما هو أكسير، فإنه أيضاً رقية لا يفهم معناها سوى الذين جربوا الحياة في عزلتها، وفي موت أشجار الحب على تربتها.
الحب ليست كلمة، وإنما هو بريق في العينين، عندما يشع تعرف أن في مقابلك كائن عاشق وعندما ينطفئ البريق، فتأكد أن في قلب من يواجهك حسرة اختفاء الحب وضياع البوصلة في غابة التوحش، وانهيار جبل الهيمالايا عند قدمي كائن مأزوم بالأنا المتفحمة.
اليوم ورغم التطور المادي في مختلف المجتمعات، نجد أن كلمة حب مقرونة بكلمة أخرى مرادفة وهي العيب، وهذا ما يدفع بالحب كعاطفة بأن يأتي جاراً أذياله بالخفاء، إن حدث حتى لا يرمى بالسهام، ولكن عندما يكره الفرد، فلن يحدث له ما يحدث للحب.
أن تحب فذلك الأمر الصعب لأنك في الحب تدخل حالة التجديد، وتغيير الداخل، والانعتاق من عاطفة منحت لك من قبل الخارج. فأنت بحاجة لعزيمة تقوى على مواجهة ردود الفعل من الآخر.
الحب هو الأصل، والكراهية صناعة بشرية.