ما الشعر؟ قيل أنين الروح ونبض الخيال وسر الخلود في تجلي الوجود. الشعر ليس قصيدة محكمة الإيقاع، أو القوافي، أو البلاغة منثورة على بلاط الكلام. الشعر رمز للمخفي وتعبير عنه. الشعر ممارسة للحياة وحضور فيها، حين تكون الحياة تفاصيل موغلة في التناهي والدقة والبساطة. وحين تكون الحياة ممفصلة في الانعطافات الكبرى وقضايا المصائر الإنسانية. إنه ممارسة للحياة في الشمول وفي الجزئي، في الألق والفرح والرنين والهتاف والضحك واللذة والمسرة. وهو ممارسة للحياة حين يكون القلق والألم والحزن والأسى واليأس الكثيف. 
الشعر فلسفة الشاعر ومبدأ وعيه وتفسيره للظواهر والكوامن والعلل والمرئي واللامرئي. وهو فلسفة الشاعر في حركته الداخلة والخارجة، الماضية في عنادها وتوثبها، والهادئة في مسالك التأمل. الشعر هوية الشاعر، به يعرّف ويكرّم ويُخصّ ويُشرف حين يكون في مجتمع يدرك جوهر الشعر وتميز الإنسان الشاعر ببصيرة النفاذ في الراهن والمقبل، وبصيرة الشاعر المتعمق في الخفي والمعلن. وحين يكون الجمع مأخوذاً بقشرة العيش وسطحيته، وبالبريق الزائف والزائل. لا يرى في الشاعر إلا إنساناً نافراً ناشزاً متبطلاً متقوّلاً، لا تضبطه القوانين ولا يقرّ بالأعراف ولا يألف المألوف، ولا يسير وفق العام والسائد. وهو في هكذا مجتمعات لا يدخل ضمن خطط التنمية ولا يوضع في قائمة المنتجين، ولا يحسب في قياس الثروات القومية! 
والشعر هوية الشاعر وهذه الهوية ملتصقة به كجلده ونفسه، مثل تردد أنفاسه ومثل إيقاع نبضه. وهذه الهوية لا يمكن نسيانها في البيت أو ضياعها بين الزحام والحدود والتضاريس. هذه الهوية هي انتماء الشاعر للإنسان وللكون وللوجود! 
والشعر ليس الكتابة، ليس إنتاجاً يخضع لبرمجة الوقت والتقويم السنوي وثقافة الحاسوب. الشعر لغة الشاعر، به يصمت وبه ينطق. به يحب وبه ينفر. به يعبر عن واقعه وحلمه. به يصبح ويمسي. وإذا ما اعتقد الشاعر أن بإمكانه إبدال هوية الشعر بأية هوية أخرى، فإن جذوة الشعر ما وجدت أصلاً في نسيج روحه وقلبه وفكره وتأملاته! والشعر ليس فناً جديداً يصير قديماً إذا مرّت عليه تروس الزمن. ففي الشعر يتجلى الوجود كله للشاعر بكل اشتراطاته. فحين نكتب الشعر فإننا نعلن عن حبنا للحياة والإنسان. وحين نكتب السرد فإننا نعتقد أننا نجعل الحياة والإنسان أرقى. أما حين نكتب الشعر فإننا نؤمن بأننا نجعل الحياة أجمل!