بكل هدوء وبكل محبة خالصة للذات، علينا الاستقرار بسلام شديد في هذه المنطقة الفاصلة بين ما كان وما اعتقدنا أننا فوتناه، وبين ما علينا القيام به الآن في اللحظة النقية التي نعيشها في حياتنا الحالية، في هذه اللحظة الخالصة لذاتها المنفصلة بسلام عن الماضي والمنقطعة بصفاء عن كل توقعات المستقبل. هذا تماماً ما رسخ معي في كل صفحة كنت أعبر بها في رواية «مكتبة منتصف الليل» للكاتب الإنجليزي مات هيغ، وعلى رغم عدم جاذبية العنوان إطلاقاً، فقد كانت الرواية مشوقة جداً، وجذابة تتناسب تماماً مع الذائقة العالمية الجديدة الباحثة عن اللامتناهي واللامحدود من الفرص التي يعتقد الإنسان في العصر الحالي أنها يجب أن تعاش!
رواية متوسطة وبسيطة جداً، تتحرك أحداثها بهدوء، تعيش نورا حياة لا لون فيها ولا طعم، حياة لا حكاية فيها لأنها قررت في مسيرتها أن تنهي أي حكاية أمامها حتى قبل أن تبدأ. وفي الوقت الذي قررت فيه اتخاذ قرار، كان إنهاء حياتها هو الحل للتخلص من الندم على الفرص التي أضاعتها، والتي اعتقدت فيها البطلة دوماً أنها الحكايات الأجمل والتي كانت تستحق أن تعاش. فتبدأ الفانتازيا بمنح نورا فرصاً لا حصر لها لعيش تلك الحكايات الضائعة عبر كتب «مكتبة منتصف الليل»، لتسحبنا معها في عوالم تشبه إلى حد كبيرعوالم كم اعتقدنا أننا فوتناها في لحظة قرار غير موفق!


في رواية «مكتبة منتصف الليل» لم أتوقف عن التفكير في آلاف الفرص التي يفوتها الناس كل يوم، وملايين السنوات التي يضيعونها ندماً على هذه الفرص. وكأننا نحيا لنندم، وبعملنا هذا نُفوت الحياة، تخبرنا الرواية بالكثير مما نعرفه ولكننا لا ندركه. رواية نعيشها كل يوم مع مئات القرارات الصغيرة والكبيرة، التي لا نأخذها رغم توافر فرصها، وننسى أن فعلنا بعدم اتخاذ تلك القرارات.. كان قراراً أيضاً.