عقود العمل هي كعقود الزواج، قد لا يكون أحد الزوجين فيها مثالياً، ولكن بالعشرة والخوف من الله والتقيد بالقيم السامية والأعراف والعادات والتقاليد تصبح تلك العلاقة نموذجية. تقول صديقتي التي تعمل بهمة عشرة أشخاص إنها لا تغفل عن العمل إلا عندما تغمض عينيها لتنام لمدة خمس ساعات في اليوم، وإن عدسات نظاراتها أصبحت مقعرة وكأنها قاعة غرشة بيبسي، لأنها تبحلق في الهاتف الذكي وتجيب عن جميع ما يردها من مراسلات بلا تعطيلٍ أو تأخيرٍ أو تأجيل. صُعِقت عندما حصلت على تقييم لعملها وكأنها موظفٌ عادي، فهي لا تطلب من فرّاش المكتب القهوة والشاي، ولا ترحب بمن يزورها في مكتبها لتجاذب أطراف الحديث، فذلك يسرق من وقت العمل زمناً لا يمكن تعويضه، وعملاً كان من الواجب إنجازه على أكمل وجه. تقول أم راشد: عندما وصلني ذلك التقدير تقدمت بطلب إذنٍ للخروج، وتوجهت إلى أحد مقاهي القهوة، وطلبت كوباً ذا جرعتين من القهوة المركّزة وقطعة كيك «أحسر بها»، وسرحت أحتسيها والهاتف «يتقرقع» مرة ينبهني بوصول رسالة نصية أو مراسلة على البريد الإلكتروني، وتارة أخرى يرن رنتين وفي أغلب الأحيان يرن حتى «ينقطع نياطه». وكنت أنظر إلى هاتفي وكأنه شخص التقيته في صالة الانتظار في إحدى العيادات الخارجية. عندما فرغت من القهوة والكيك دفعت فاتورتي وانطلقت إلى محلٍ لبيع الهواتف النقالة. 
وتكمل صديقتنا حكايتها قائلة: «سألني البائع.. كيف يمكنني مساعدتك؟ فقلت له: أريد شراء هاتف لا يحتوي على كاميرا أو أي تطبيق ذكي لا من قريب ولا من بعيد»، رد بسرعة البرق وقبل أن أنهي جملتي: قولي إنك تريدين هاتفاً «للمساعدة المنزلية». فقلت له: «نعم وهو كذلك.. بعد أن دفعت تسعين درهماً طلبت منه فتح العلبة فكان لون الهاتف أحمر.. قلت براية باستحمل اللون، وضعت شريحة الهاتف الذكي في الهاتف الأقل ذكاءً.. لساعاتٍ طويلة لم يرن حتى خلته معطلاً.. وبعد أيام من التعود عليه تعدلت مستويات ضغط الدم والسكر، وزادت ساعات الهناء والنوم.. وسأحصل، من دون أدنى شك، على نفس التقييم والتقدير هذا العام كما في السنوات الخوالي.. والحياة حلوة!».
للعارفين أقول، التقدير نور وعلم وثقافة وبحسب العَالِم وليام جيمس أن «أعمق مبدأ في الطبيعة البشرية هو الرغبة في أن يكون الشخص موضع تقدير». هذا ما تعلمناه من الثقافة الإماراتية العريقة كل حد يبي المدحة وكلٍ يهيل الضو صوب قرصه وكل حد يتطلع لصفة «هبة ريح». هي ثقافة تنم عن شبع وقناعة بأن مدح الآخرين وتقديرهم لا ينقص منا شيئاً، بل يعزز ثقتنا في أنفسنا وتتسع دائرة الجمال والاستقرار وتأثيرها الإيجابي على فرق العمل ودوائر التنفيذ. تعلمت من والدي أن المحبة نعمة شبهوها بالعافية تزول إن لم نحمد الله عليها ونشكر الناس، فذلك الحمد والشكر هو امتداد لنعمه وعطائه.