أحب الضحك وأميل إلى البساطة بشكل عام، ولم أجد في ذلك أي تعارض مع صرامتي في تحديد خطوط واضحة في علاقات الآخرين معي، وإعلاني المسبق لرفضي ذلك النوع من المزح والسخرية في التعاطي. لا أفرض قناعتي هذه على الآخرين في تعاملهم مع غيري، فأنا لا أملك حكماً إلا على شكل العلاقة، التي يجب أن تكون معي إن رغب الآخر في التواصل معي. قناعتي قديمة ولم تتغير إطلاقاً حول المزح الممزوج بالاستخفاف أو السخرية والتهكم بدعوى الضحك، كونها سلوكيات تفضي بلا أدنى شك إلى ما لا يحمد عقباه. وهذا رغم إعجابي الشديد بمن يستمرون في الحفاظ على علاقاتهم رغم وجود ذلك النوع من التعاطي بينهم، وللعلم هم قلة.

**
لا يتفهم الكثيرون هذا الطبع، بل ويعتبره البعض تعالياً مني، وذلك منذ أن تشكلت في المرحلة الجامعية، وهذا ما جعل دوائر الأصدقاء في أضيقها. ورغم عدم حزني على ذلك إلا أني ما زلت أتساءل عن العلاقة بين رفض أن تكون محل استخفاف وتهكم وبين التعالي والغرور، وكأن القبول بالإهانة دليل على التواضع! في حين أنه وحسب علم النفس فإن اللجوء إلى السخرية من الآخرين هو رغبة في جعلهم في مرتبة أقل، وإظهار النواقص في الغير والاستخفاف بها يعد بالنسبة للساخر فرصة لشعوره بالتفوق، ومبرراً لاستحقاق الآخر لهذه المنزلة الدونية! وهناك فرق كبير بين الفكاهة والدعابة المتبادلة بين الناس والقائمة على المفارقات والتناقض المفاجئ وغير المتوقع، وبين الاستخفاف والسخرية التي تنبعث -في رأيي- عن رغبات مكنونةً شريرة يحركها الحقد والضغينة، بل هو عنف لفظي حتى وإن كان يؤدي للضحك.

**
أتساءل دوماً ما الداعي بتوجيه كلمات أو تصرفات للآخرين أو عنهم فيها استهزاء بالمظهر -على وجه الخصوص- أو تعليق على تصرف، إلا إذا كان قائلها يحمل شيئاً غير مستحب أو «شرير» في نفسه. وللتأكد من ذلك يمكننا قياس ذات الأمر على سلوك الشخص المُحب الذي لا يظهر أياً من طباع الاستخفاف والسخرية والتهكم في تصرفاته تجاه من يحبه، بل والأكثر دلالة على ذلك، ما نظهره في بداية تعارفنا بالآخرين من لطف وذوق واحترام، وهي واجهة نخبر الآخرين بها أننا محل ثقة وأننا نراكم في منزلة مستحقة.. أليس كذلك؟! ولا داعي أن أخبركم بدواعي تغير هذا السلوك إلى عكسه.