خيوط الخيال كثيراً ما تجسد فضاء الجمالية التي تسلب العقول وتصيبنا بالذهول، وفيها ما قد يشعرك بالغموض المتمرد على الحقائق والواقع، وفيها ما يتجسد بالتصوير الإلهامي المعرفي متعدد القراءات والفضاءات، حيث تُنسج منها خيوط المدى الذي لا يحده حد، ويمنح المبدع أياً كان رؤى، حيث يرسم أحلام الحياة في صورها الأجمل والأزهى، ويثبت القيم الإبداعية من أتون الماضي إلى أتون الفضاءات القادمة بالتأملات.
يمر الخيال في أذهان البشر متجسداً بفضاء وصور لا تبرح عن الجمالية الكونية المتمردة على العقل، والمؤثرة في انتباهه ونضجه وشكوكه المستمرة، ونبشه في الثوابت الكونية متأصلة التفكير، وفي ذروة التأملات الآسرة، وفي نسيج بحث الإنسان عن الحياة المثلى يستتر الخيال في أبعاده النفسية، وفي أحلامه ليصوغها بصورة مختلفة عن الواقع، فالخيال هو الإدراك الآخر المستمد من البعد الروحي والكوني الشاسع وصلة بالإنسانية.
ليس المبدع وحده من يصوغ خيالاته ويضعها في تأملاته اللحظية، ويضمنها في كتاباته الفكرية، وإنما المتلقون أيضاً، حيث تأخذهم لحظات القراءة الأدبية، وتلهم خيالاتهم، فيزداد شغفهم وأحاسيسهم، وتضعهم في فضاء الصور الأدبية لتتسع الخيالات، وتتفتح المدارك لديهم بما يشغله الخيال بالأفكار الأسطورية التي تعانق الإبداعات الفكرية.
فكلما ازداد الإنسان شغفاً في القراءة كلما اتسعت خيالاته وتقمصت الرؤى بأنسجة تتآلف مع الأفكار، وتمتد الخيالات في إبداعات مختلفة مثل الموسيقى في أنغامها الساحرة، والفنون المسرحية التي تجسر الحياة بفضاءات مختلفة الإبداع لتخلق من المتلقي قيمة فكرية وثقافية، وسمات حضارية رائدة.
أطياف الخيالات تعانق الإبداعات أياً كانت صورها وفضاءاتها وجمالها الروحي والأسطوري، حيث تعانق العقل وهو في ذروة النضج، وتنسج الأجمل والأبدع من روح الفكرة وصميمها، ومن الذات الحالمة الشغوفة والمتجددة، دائمة الحضور بنسقها الثقافي، فما يتقمص الأفكار يشغل العقل الحر لتنسج الخيالات صورها الإبداعية، ويصف عالم الفيزياء الشهير ألبرت أينشتاين الخيال بأنه أهم من المعرفة.
الخيال هو ما يورث الحياة جمالية مفعمة بالثقافة الأجمل، وما يدركه البعد الأدبي، والإنساني الحضاري، وهو ذو صلة بقضايا الحياة الآنية ومضامينها ورسم فحواها، وبترجمة فنتازية من التشكل الفكري الحر وأطروحاته العريضة بصيغة الأمثل والأعجب، ما يسهم في إثراء قيم الحياة الروحية والفكرية، وتأكيد المعنى الجميل لأطياف الخيالات الرائدة فكرياً وعلمياً، ومضرب أمثالها التاريخية والمجتمعية، وصلتها بالحضارات الإنسانية المتعاقبة والمستمرة.