ليس هناك أقسى على مدرب أو ناخب وطني يقف على بعد أميال قليلة من منافسة كروية قارية كانت أم عالمية، من أن يطلع الناس على لائحته النهائية، سواء فعل ذلك وحيداً في غرفة الوجع، أو استأنس برأي معاونيه تخفيفاً لدرجة الألم والتأوه.
القصد أن هناك ظلماً يطال لاعباً أو لاعبين، بسبب أن اللائحة محصورة العدد وقاعدة الاختيار واسعة، ولكم أن تتصوروا لاعباً شقي من أجل تحقيق حلم لعب كأس العالم، تراه مرّ مع زملائه من كل أسلاك التصفيات، وعندما يتصور أنه وصل لدوحة الحلم ليرتوي من مائها، يجد الطريق أمامه قد انقطعت وما كان حلماً جميلاً صار كابوساً مزعجاً.
من المشاهد المؤلمة حضرت الكثير، وحكى لي عن كثير غيرها ممن عرفتهم من ناخبين توافدوا على تدريب منتخب المغرب، وعاشوا مرارة الاختيار وأحياناً وخز الضمير.
يقف اليوم وليد الركراكي، مدرب منتخب المغرب، عند الوجع ذاته الذي وقف عنده من سبقوه من مدربين، فهو يحتاج في أجل أقصاه الثالث عشر من الشهر الحالي لإيداع لائحة من 26 لاعباً بها يشارك المغرب في كأس العالم قطر 2022، وعليه أن يختار لائحته تلك من قاعدة عريضة يوجد بها قرابة أربعين لاعباً يستحقون الحضور في المونديال، فما العمل؟
لا خيار أمام وليد إلا أن يُعمل العقل الذي يصادر كل نزوات العاطفة، وأن يحتكم إلى المعايير التي ترتفع بالاختيار فوق مستويات الشبهة، وأن يخلي محيط التفكير وغرفة القرار من كل المؤثرات التي تهب كالرياح الجافة من الشارع العام، وحتى إنْ أدرك أنه سيظلم هذا اللاعب أو ذاك، ربط على قلبه وتجاوز ما ستحدثه لائحته المونديالية بكل تأكيد من نحيب وبكاء على أطلال حلم انهار.
تحدثت إلى الناخب الوطني وليد الركراكي، عن حالة احتقان المشاعر كلما تعلق الأمر بوضع لائحة للفريق الوطني يشارك في حدث كبير بكونية كأس العالم، وبالقطع ستكون هذه تجربته الأولى مع هكذا وضعيات، فقال لي واثقاً: «إنها واحدة من مسؤولياتي، أن أختار وأن أضع لائحة مونديالية يحلم كل اللاعبين بأن يكونوا فيها، صحيح أنني سأكون ظالماً برغم حرصي على أن أكون عادلاً، إلا أنني في النهاية سأضع لائحة أرضى عنها، ولا أندم مجرد الندم حتى على واحد بالمائة من مكوناتها».
بعد أيام سيطلع المغاربة على لائحة بأسماء الأسود الموندياليين، ومع اليقين الكامل باستحالة خلو اللائحة من أسود بارزين من أمثال حكيمي، زياش، مزراوي، وبوفال، فإن عنصر المفاجأة سيحضر في تكملة العدد، من سيحقق حلم الوجود في كأس العالم ومن ستتلبد سماؤه بأدخنة الحزن على انطفاء الحلم، وتلك هي الملهاة التي لا تنتهي.