ينتابني شعور يحتضنني ويحملني عالياً كلما وقفت في المحافل الدولية أتحدث عن بلادي وجمال بلادي، وتواضع قيادتها وحضارة أهلها ووفاء المقيمين على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة. مساحات الإنسانية التي نجدها في تاريخنا تروي لنا وتحدثنا عن ذلك، وعن التسامح والمودة والعطاء والولاء والفداء الذي قدمته هذه الحقبة التاريخية حتى بلغ الجمال منتهاه.
 في مؤتمر تدور محاوره حول الأزمنة الصعبة طرحت أمثلة عن التفاف الناس وقوة إيمانهم بالله، وتطبيقهم للقيم التي ضمنت كرامتهم وحققت لهم البقاء، منها أن المرأة عندما يشح ما ترضع به رضيعها تبادر إحدى سيدات الحي أو المجتمع فترضعه مع أحد أبنائها، ولذا كان لجدتي ولوالدتي كما لدي إخوة بالرضاع. هل ندرك مدى عمق هذه العلاقة ودورها في تعزيز الترابط المجتمعي والمساواة وروح الإنسانية، التي لا ترى طبقة أو لوناً أو عرقاً، بل ترى إنساناً يعيش وينصهر ولا يشعر إلا بالأمن والأمان في قرارة نفسه، وفي أجوائه أينما حل ورحل. ومثالٌ آخر هو أن الذي لا يملك ما يقتات عليه تمنحه القبيلة أو الفريج ناقة، أو شاة أو نخلة أو سمرة يسترزق منها، ولا يتركونه يكابد العناء بمشقةٍ يخسر بها ماء وجهه. ولا ننسى أن في مجتمعنا حفظ ماء الوجه يعتبر «أسلوب حياة»، ولذا فإن المثل الشعبي القائل: «اللي يبي يطعمك يدل ثمك»، يأتي من واقع معزز ومحفز لصون حشمة الشخص وتفاديه الحرج أو كسر الخاطر. وعندما يتجمل الناس يقدمون أغلى وأحسن ما لديهم لضيوفهم، ويؤثرون الآخرين على أنفسهم، إنها عادات العرب العميقة في تراثهم، فالشهم يُطعم ضيفه وإن بات متضوراً من الجوع.
رفع أحد الحضور يده وقال: «ليس لدي سؤال، ولكن أود أن أقول إنكم محظوظون ففي بلادي....»، كان ردي على مداخلته بسيطاً: «نرحب بك في دولة الإمارات العربية المتحدة.. أعلم أن المسافة بعيدة، ولكن الواقع والحقيقة تكمنان هناك.. فأهلاً بك». ساد صمت وبعد أن رُفِعت الجلسة بشكلٍ رسمي تقدم إلى المنصة عدد من الباحثين والأكاديميين، فقال أحدهم: «أنت تحضرين إلى هذا المؤتمر كل عام، وفي كل عام نتعرف على جانبٍ من جوانب التاريخ الاجتماعي، ونحلل مخرجاته في الواقع الحالي، وزارة التسامح، وزارة السعادة، التوازن بين الجنسين، واللامستحيل.. سيدتي الفاضلة لقد قلبتم المفاهيم والنمطيات، وأرى نموذجكم هذا على رأس الهرم». وكثرت بعد ذلك الحوارات بيني وبينه والآخرين أثناء الاستراحات وبين الجلسات، وشعرت بوجود أمي التي طالما كانت تلقننا باستمرار: «كلمة الحق وكلمة الخير قولوها ولو على قطع رقابكم».
للعارفين أقول، الجمال جمال بلادي، مثال على جمالٍ لا نزيد الكلام بعده.