ودعت العين مهرجان الكتاب، وبقي وشاح الكلمة يطوق أعناقاً سهرت، وتابعت، وفرحت وهي تشاهد صور الذين ذهبوا عن الدنيا وبقيت إبداعاتهم، توشوش في الأسماع، وتطرب وتخلب وتسلب الألباب، لجمال هيئتها وكمال وصالها ورونق عبارتها ومهارة صياغتها وبلاغة كلمتها وحسن تصاويرها. 
 واليوم ونحن نستدعي الذاكرة نجد أن شعراء العين نسقوا وجداناً، وهذبوا أشجاراً، ورفدوا ألحاناً، وجعلوا من القصيدة واحة، ومن الترانيم أغنيات يرددها الطير، وفي كل هذا الصخب البلاغي، خصب وعشب ونخب وسكب ورحب ورطب المواسم الخضيبة بعرق الأوفياء وأنفاس النجباء وأحلام النبلاء، أولئك الذي زرعوا على التراب الأحمر الذهبي زهرات برية هفهفت على أرواح العشاق والمدنفين حباً بما جادت به العين وما جودت به أفئدة الناس الطيبين، أولئك هم سدنة الكلمة وحراس الوعي وقادة الرأي في مدينة ملأت أفلاجها وجدان الشجرة عذوبة الانتماء إلى التراب العزيز، وعززت من تجديد خصلات على جبين ومتن، اليوم ونحن نودع مهرجان العين الثقافي بكل معنى الكلمة نشعر بأن مركز اللغة العربية تمكن خلال فترة وجيزة من أن ينجز مشروعاً أسمع من به صمم، واستطاع أن يكرس الثقافة كساق ومساق لأحلام قادمة هي أوسع من الصحراء النبيلة وأخصب من الواحات والبراري النجيبة.
 اليوم نشعر أن الإمارات فعلاً لها الريادة في الثقافة كما لها القيادة في المجالات الحياتية قاطبة، اليوم عندما نقلب الدفاتر ونتصفح كتاب الحياة نرى أن بلادنا قادمة بقوة نحو علاقة مع الكتاب أمتن من تشابك الأغصان بالأغصان، هذا الوعي يلازمنا ونحن نستشرف حياتنا بكل ما تحمله الأيام من باقات تباشير لثقافة حية نابضة ثرية بالمعنى غنية بعوامل التواصل مع الآخر، وبشفافية المنتمين إلى وحدة الوجود، الناهلين من شهد الإرث الجميل، الساعين إلى مستقبل سلاحه أيد ناعمة، ومصداته قلوب مفعمة بالحب والتآخي، والإيثار، ونكران الذات.
هذه هي الثقافة التي كرسها في الضمير الإماراتي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، واليوم مؤسستنا الثقافية، ممثلة بدائرة الثقافة والسياحة وقلمها مركز اللغة العربية، تحذو حذو السلف الصالح وتمضي بالحياة الثقافية نحو تنوير العقل وإضاءة مصابيحه وإشاعة نوره الوضاء في القلوب قبل الدروب.
اليوم القافلة تسير محملة بزاد الحلم الزاهي، والعيون تتطلع إلى شروق الشمس مبتهلة بهذا الحفل الجميل الذي حرك في النفوس مكامن وسواكن، وهي تلمس قصيدة للأولين تداعب مشاعرهم بحنان التراب وألفة الماء.