«أفاعي النار» رواية للأديب جلال برجس، ترصد التحولات الكبيرة والتغير الاجتماعي في المجتمع العربي. العاشق علي بن محمود القصاد، مثال للشباب الواعي والحالم بمجتمع يقوده الفكر النير، المتحرر من قيود كثيرة، ولكن من أين لبعض المجتمعات أن تفلت من فئة أخرى، أخرجتها التزمّتات والأفكار التي تأخذها إلى محطات لا تعرف غير العنف والعودة إلى ماض سحيق، ينزّ بالتخلف والركون إلى معتقدات بالية، وجهل يقوده المتطرفون. ذلك مفصل مهم في الرواية، عندما استطاع ابن القميحي المتشدد أن يفرض سيطرته مع جماعته العائدين من مخلفات حروب أفغانستان. 
وحكاية العاشق علي بن محمود القصاد التي تبدأ بحلم التغيير والوصول إلى مراتب عليا في العلم والمعرفة، وبعد أن يسلك الطريق الصحيح، تعترضه النار، بدءاً من قريته الصغيرة وتحطيم حلمه، عشقه، ولكن يخرج سالماً من تلك الحادثة المتعمدة، يواصل طريقه المعرفي والصعود إلى مراتب العلم، يهاجر من قريته إلى باريس ومن هناك يصبح دكتوراً وعالماً يثري بكتاباته، وينير الطريق لأبناء قريته وبلده، ولكن تلك الكتابات والأفكار تزعج دعاة الظلام، ويجدون فيها تهديداً لمشروعهم الماضوي الظلامي. تصل أيديهم إليه هناك وتشعل النار فيه، ينجو بأعجوبة، ولكن بوجه وجسد مشوّه، فقط قلبه وفكره يستمر في الحياة ويلمع بأفكار نيّرة كما كان وأكثر. قلبه العاشق يعود به إلى القرية مرة أخرى متسللاً، يبحث عن ذاكرة حب أحرقت، حب فتاته، الحب الأول. 
أحداث كثيرة تمر به ولكن في نهاية الأمر، يظهر كتهديد قوي لجماعة ابن القميحي العائد من أفغانستان بأفكاره السوداوية، ويتمكن مرة أخرى من إشعال النار في جسد علي بن محمود القصاد. إنها أفاعي النار، يقودها هؤلاء الذين يزعجهم النور. ولذلك لا عجب عندما تشاهد رجلاً يلقي من نافذة منزله بعض الكتب القديمة والحديثة ويردد باكياً بمزاج هستيري: «كل هذه الكتب ونرى رؤوساً تجز بكل هذه الوحشية»! هذه آخر كلمة خطها قلم الروائي جلال برجس في سرديته.
 رواية نوعية غاية في الجمال، تمزج بين قلب العاشق الذي يحب فتاة، ولكن كل الظروف تعاكسه وتحبط حلمه، وواقع اجتماعي يحتاج للكثير من العلم والتنوير. هذا الكاتب يفتح طريقاً جديداً للرواية الاجتماعية التي تخرج بعد قراءتها وأنت مطمئن أن طريق الرواية العربية يسير في خط تصاعدي وسليم، وأنها بين فترة وأخرى تثمر عن روائيين مبدعين في كتاباتهم وأفكارهم. والروائي الذي يملك فكراً متحرراً مكسب كبير للرواية العربية، ورواية «أفاعي النار»، فيها كثير من الإبداع السردي مما يمكن أن نقف أمامه، من حيث الطريقة والأسلوب الجميل والمفاصل الرائعة التي استخدمها الكاتب في ربط الحكاية، وروعة تقديم العمل للقارئ بصورة جميلة جداً، والمهم أنها إضافة رائعة للرواية العربية.