سألتني امرأة فاضلة صادف أن جلست بجواري عن أحوالي، وكيف أقضي وقتي بعد التقاعد، فأخبرتها بكل حماس بأني مستمتعة جداً بتعلم أشياء جديدة كنت قد أجلتها كثيراً بسبب انشغالي الوظيفي، فسألتني مثل ماذا؟ فأخبرتها بأني أنهيت للتو دورة خياطة وتمكنت من قص وخياطة ثوب، فنظرت إليّ بتعجب غير مريح وقالت: خياطة؟.. «طيب قولي مصممة أزياء»! تداركت الموقف بسرعة وقطعت الحوار بحجة دخول أحدهم والسلام عليه وبدلت مكان جلوسي. وكل ما تبادر إلى ذهني في تلك اللحظة، الضحكة التي أطلقتها صديقتي «مها أبو حليقة» عندما وجه أحدهم تعليقاً لها بعد إصدارها مجموعتها القصصية الأولى.. (عقبال ما تكتبين «رواية»)! 
أعتقد أني لن أنسى ضحكة مها التي أخبرتنا عن سببها، بقولها إن ذلك يذكرها بتلك الأمنية التي يدعو بها بعضهم لطبيب الأطفال بأن يصبح طبيباً للكبار! وعلى رغم الاختلاف الواضح بين الاثنين وفرادة كل تخصص عن الآخر، إلا أن الكثيرين يصرون على التعامل مع الأمور وكأنها سنوات دراسية علينا المرور بها، فإذا أنهيت المرحلة الابتدائية ندعو لك بالتوفيق في النجاح في الإعدادية، وإذا أنهيت الثانوية نتمنى لك الحصول على الشهادة الجامعية، وهكذا.
ويطبق البعض هذه التراتبية على كل شيء بدعوى أنه دائماً ما يكون هناك ما هو أعلى وأن طريقك ما زال طويلاً أو أنك لم تحصل بعد على ما يستحق، وعليك أن ترتقيه لتستحق تقديراً أفضل. وفي طريقنا هذا، فإننا قد نبخس حقوقاً ونطفئ نوراً بدواعي تراتبية هشة. كأن نقول مثلاً إن التالي أرقى أو ذاك يجلب شهرة أفضل، أو مالاً أوفر، وغيرها من التفضيلات التي لا علاقة لها بما قرر الإنسان أن يضع طاقته فيه وينجح به.. بل ويسعده.