ثمة كلمات لا تقاس ولا توزن ولا تباع أو تشترى، مثل التضحية والفداء والدفاع عن الخير، ومنع الشر، هكذا مقدر للبلدان والشعوب المتحضرة، وحتى الأفراد الراقين، والمتميزين بالنُبل والشرف أن يدفعوا ضريبة فعل الخير، ومساعدة الآخرين، ومد يد العون لهم وقت العوز والحاجة، ولو قدموا هذا الأمر من دم أبنائهم، ومن مقدرات أجيالهم، وحتى اختلال برامجهم الوطنية التنموية، لأنهم يؤمنون بما يعملون، ويقدسون ما يقومون به، ولا يتوقفون، ولا يثنيهم جرم الآخرين، وجنونهم وجهلهم، ولا عويلهم وصريخهم، لأن انعدام الخير، والتوقف عن العطاء والإحسان والعمل الإنساني، كردة فعل على نكران جميل أو اعتداء أو تصرف مسيء من بعض الأفراد أو الجماعات، لا يجب أن يتم، ونعاقب القيم والمثل الإنسانية، بدلاً من أن ندافع عنها حتى الرمق الأخير، تماماً كما لا يجب أن يؤخذ تصرف الغلاة والحاقدين وعميان الأبصار والقلوب كعقوبة جماعية، وإلا فرح الفاعلون، واستفاد الجلاد والقاتل والظالم من موت الأبرياء، لذا وجب التكتل من أجل إعلاء الحق، وفعل المعروف والخير، وإلا عُد مثلبة في روح القيم والمُثل ذاتها التي يجب أن ندافع عنها أمام وجوه السوء، وضد مغالطاتهم، ومنعاً لتكريسهم للعمل الشيطاني.
لقد فقدت الإمارات وهي تؤدي واجبها بشرف، وصدق وأخوة وتحضر في مناطق كثيرة من الدول الصديقة والشقيقة، وحتى التي لا يربطنا معها رابط غير تلك العلاقة الإنسانية التي حفظتها الأديان، وتواصى بها الأنبياء، وهي محمودة في السماء والأرض، وستفقد جراء سعيها للصالح الإنساني، وبجود من دون مِنّة، الكثير من فلذات أكبادها الذين لا يساويهم مال دفعناه اتقاء رفع ظلم عن الآخرين، ولا خدمات شتى كانت الأولى أن تسخر للوطن في الداخل، لكننا نمشي دائماً خلف نُبل ما تربينا عليه، وشرف ما نؤمن به، ولو ازدانت لوحة الكرامة كل يوم بشهيد.
ما يقال اليوم.. غير إلا ترانيم للشهداء في يومهم، ترانيم للوطن، وما تغنى به العشاق من حروف، وما قدمه المحبون من سيل دماء، شرفاً، وصبراً واحتساباً وفخراً لهامة الوطن، وتراتيل ظفر في مجد الشهداء.
إن سألنا الأطفال، وهم يحيّون علم الصباح في طوابيرهم المدرسية، لما الأعلام اليوم زاهية؟ فلا نقول لهم غير أنها رفرفة غيم وبرد وسلام على شهدائنا، مرفوعة، ولكنها سجدة الاحترام، ولنقل لهم شارحين، مبسطين الفكرة، قريبين من عقولهم البريئة، وقلوبهم الصافية، بعيدين عن الدم، وقداسة مجراه، ومرساه، إن في الوطن اليوم عرس، والإمارات زفّت شهداءها في مثل هذا اليوم.
وإن سألونا: عن الشهداء، فلنقل لهم واصفين، ومسايرين سرد الجدات في حكايات المساء، بعيداً عن نُبل الموقف، وشرف الطريق، سالكين بهم همهمة دخول أول المساء عليهم، وتثاؤبهم البارد حين تنطق الجدات: كان يا ما كان، ولنقول لهم: إن الشهداء، أولئك.. مثل طيور الجنة، يختارهم الله لجواره، لأنه يحبهم لصدقهم، تحملهم ملائكة على أجنحة من نور، حيث البشرى، وحيث الحبور.
- وإن سألونا لما الإمارات اليوم غير؟ فلنقل لهم: هي فرحة بأبنائها، تتذكرهم بدمعة حزن جلبتها ريح تهبّ، تجر حزناً أتى من بعيد، وسيذهب غداً لبعيد، وإن إحدى الحُسنيين للمرابط، والمدافع عن الحق، وثمة بسمة يخبئها الوطن.
- وإن سألونا عن الأحزان، وهل من غضب عليهم؟ فلنقل لهم: غضبنا عليهم لا يتجاوز كلماتنا، وكلماتنا كلها مكسوة بحبهم، لأنها البشارة، وهم المبشَرون، غير أن على الأطفال أن لا يعرفوا معنى الأحزان، لأن دموعهم طريّة، وباردة، وهَطّالة، وأن الأحزان خلقها الكبار للكبار، لأن دموعهم قليلة، وصدورهم لها تجاويف كهوف الجبال.
تحية لشهداء الحق والخير والكرامة وعون الأخوة وفي سبيل نبل القضية، المجد للشهداء في يومهم، ولنا في آي الفقد وما يصبرون.