ما وجدت فيما فعله منتخب المغرب في مباراته أمام بلجيكا، والتي انتهت بفوز تاريخي هو الثالث لـ «أسود الأطلس» خلال مشاركاته الست بنهائيات كأس العالم، إلا ما يقنعني بالدهشة القريبة إلى الحسرة التي كانت تتملك إعلاميين عرباً وأفارقة بل وغربيين، على أن المنتخب المغربي بالملكات الفردية التي يملك لا يقدر على التطابق مع ذاته، ولطالما عددت لذلك أسباباً، كثيرها له علاقة بمن نختارهم مدربين لمنتخباتنا الوطنية، وما نرصده لهم من إمكانات «لوجستية»، وما نجتهد في فعله لتحصين العرين وتنظيفه.
ما كان لأحد أن يتصور أن منتخب المغرب وقد سل بنقطة، شعرته من العجين المركب لمنتخب كرواتيا، في مباراة غطتها الكثير من الغيوم التكتيكية السالبة للمتعة والفرجة، سيأتي لمواجهة «الشياطين الحمر» لبلجيكا بذاك الإصرار والعزم والثقة في القدرة على معاكسة التوقعات، فما أكثر ما حاصرنا أنفسنا لدرجة تصل لتضعيف الذات، بالأرقام والإحصائيات التي تحبط، لأنها تضع من البداية منتخب بلجيكا في الطابق العشرين، بينما نحن نلتحف الأرض في الطابق السفلي.
ما كان لكل تلك الإحصائيات والأرقام، وحتى الفوارق الكبيرة في المرجعية المونديالية، دخل في رسم معالم مباراة أرادها المغاربة أن تكون فاصلة بين زمنين، أن يأخذ فيها «الأسود» بثأر قديم، وأن يغيروا مجرى التاريخ، وغير هذا وذاك أن يعيدوا تلك الجذوة المشتعلة في ردهات المباريات، والتي تُضيء المسالك المظلمة، وتُسقط منطق الفوارق.
ما كان تاريخياً في ذلك الفوز الذي تحقق باستاد الثمامة، أن منتخب المغرب حقق فوزاً مونديالياً انتظره المغاربة زهاء 24 سنة، وأنه ثأر لخسارة ما زلنا نحمل وجعها، خسارة تعود إلى مونديال أميركا أمام بلجيكا، في مباراة فعل فيها «أسود الأطلس» كل شيء، إلا أن يسجلوا أهدافاً في مرمى أحد حراس المرمى الأسطوريين الذين عرفتهم كرة القدم العالمية، ميشيل برودوم.
لكن ما كان واقعياً في هذا الفوز المغربي على «الشياطين الحمر»، أن المنتخب المغربي لعب أخيراً برباط جماعي ووثاق تكتيكي يفرز كل ما هو جميل في فردياته الرائعة من حكيمي إلى زياش، مروراً بأكرد ومزراوي وأمرابط والنصيري، أخيراً لمع «الأسود» بهويتهم، التي لطالما غيبتها أو حجمتها الهلوسات التكتيكية للمدربين.
ولا يمكن بالقطع أن نتنشق جيداً عبير هذا الفوز الكبير على بلجيكا في حدائق الدوحة، ما لم يكن ذلك مرادفاً لإنجاز أكبر منه، إنجاز التأهل إلى الدور الثاني لكأس العالم، فلا توجد فرصة للمغرب أكبر من ذلك لمعادلة إنجاز العبور الذي تحقق للمرة الأولى قبل 36 سنة، والفرضيات التي أفرزتها الجولتان الأولى والثانية، تقول إن المنتخب المغربي يحتاج نقطة على الأقل من مباراته الأخيرة أمام كندا اليوم.
نقطة عسيرة بلا شك، أفضل طريقة للبحث عنها هي اللعب على الفوز.