إن كان للناس أحلامهم التي يجرون وراءها، لعلها تصبح حقيقة أمامهم، فإن أحلام العظماء تهز عروش الحقيقة نفسها، وتبدو لعامة الناس على أنها هذيان يفضي إلى الجنون، وما حلم به وليد الركراكي مدرب منتخب المغرب في يقظته، كان من نوع هذه الأحلام التي تخطر على بال العظماء.
قال وليد الركراكي يوم حقق المغرب فوزه الثاني في كأس العالم على كندا، وأمن الصعود التاريخي لـ «أسود الأطلس»، إلى الدور الثاني متصدرين مجموعتهم، ليكرروا إنجازاً قضى المغاربة نحو 36 عاماً في انتظار قبيل له، إن من حق المغرب أن يحلم بالفوز يوماً بكأس العالم، ومن حق أفريقيا أن تحلم يوماً بأن يُتوج منتخب لها بلقب «المونديال»، ومن حق كل العرب أن يحلموا يوماً بالريادة العالمية في كرة القدم.
واستكثر عليه الكثيرون أن يحلم، فقالوا عن حلمه «هذيان»، وقالوا عنه «هلوسات»، بل وقالوا عنه «نوبة كوابيس»، والحقيقة أن الرجل كان يرى ما لا نراه، كان يشعر بشيء آت لا يمكن لأحد أن يرده، بل إنه بمنطق العقل، كان يقول إنه يوم نثق في إمكاناتنا وقدرتنا على كتابة التاريخ والانضمام إلى صف الكبار، فلا أحد على الإطلاق سيقف في طريقنا.
ويوم قال فينا وليد الركراكي وهو للتو منصب على رأس العارضة الفنية لمنتخب المغرب، قبل تسعين يوماً من بداية كأس العالم، إن «الأسود» سيذهبون لقطر بحثاً عن الإنجاز، استغرب بعضنا، أن يحمل وليد نفسه وزر أشياء لم يطالبها به أحد، أن يضع على كتفيه الصغيرتين جبلاً من الانتظارات ما أقامها أمامه أحد، بما في ذلك العقد الذي وقع عليه بأحرف السعادة، فالرجل معين لما هو آت بعد «المونديال»، ولكن لأن وليد يحلم فلا يوقف شلال أحلامه شيء، فقد ذهب بأسوده لـ «مونديال» العرب حالماً لا متوهماً، رأى طريقاً فمشى فيه بإرادة وعزم الرجال، آمن بقدرات لاعبيه فجمعهم على القلب الواحد، فأعطونا في النهاية هذا المجد المونديالي الذي نحن به مفتخرون وبه مع أشقائنا العرب سعداء ومبتهجون، فقد قيد الله سبحانه وتعالى لهؤلاء «الأسود» أن يحملوا مشعل الأمل وجذوة الحلم العربي، فحملوا المشعل ضوءاً نيزكياً، ونفخوا في جذوة الفرح فأناروا الدنيا كلها بضوئهم الجميل.
لم يكتف منتخب المغرب بأن صعد لثاني مرة لأدوار الحقيقة، بل إنه سينجز ملحمة تاريخية ما كان أحد ليراها حتى في منامه، لكن وليد أبصرها حلماً وما كانت له خيط دخان.
نجح «أسود الأطلس» بعد معركة ضارية في إسقاط «لاروخا» إسبانيا ومعها قلعة الـ «تيكي تاكا»، وما نجح منتخب المغرب في أن يكون أول منتخب عربي يصل إلى دور الثمانية، إلا لأن مدربه وليد حلم فكان حلمه عيداً لكل العرب.