في حفلات عيد الميلاد ورأس السنة الأخيرة رأيت العجب في الشبه والتشبه، وفي النسخ والاستنساخ لدى أقوامنا العرب، نساء ورجال حتى بلا ظل يشبه خلقتهم الحقيقية التي كنت تعرفها، نحن الذين كنا في الزمان الغابر نميز الشخص من قرابة مسافة فرسخ أو يزيد، ونعرف الإنسان وهو مقبل علينا من بعيد، اليوم في عصر الاستنساخ والولادات الثانية في العيادات التجميلية - التخريبية، تشابه علينا البقر، فلا نعرف البقرة الصفراء الفاقع لونها، من التي تسر الناظرين، حتى الرجال الفحول الذكور، أصبحوا قاب قوسين من ربات الخدور، فما عدت تعرف فلاناً، ولا لمن ينتسب، ومن أي بذر خرج، كلهم طبقة واحدة، وضاع العريب من المُعَرّب، اليوم صفّة الأسنان البيضاء المفتعلة، في النساء والرجال، والتي يعتقدون أنها توحي للآخرين باعتناء ظاهر، ومبالغ فيه بالأسنان منذ نعومة الأظافر، وقبل سقوط الأسنان اللبنية، حتى ثقل اللسان من بعضها، ومن صفين صناعيين لا يتناسبان وحجم الفكين، وقد رأيت ممثلة بتلك التركيبة الصناعية الخرسانية العاجية من «الفنير»، والتي اضطرت لأن تفرج بين شفتيها بانتفاخ في الشفة العليا، وتهدل في الشفة السفلى، لكي تظهر للعلن تلك الضحكة «الهوليوودية»، فغدت غير قادرة على أن تلفظ جملة عربية صحيحة، عدا عن مخارج الألفاظ التي ساحت على بعضها، فلا تعرف السين من الشين من الدال، وطوال فيلمها الأخير الذي ذهبت له مخصوصاً ليس لمشاهدته، ولكن للفرجة على الابتسامة الهوليوودية، فصارت تشعرك في حديثها أنها تقرض الحصباء، الغريب أنه لا أحد يجسر، ويقول لها ثمة غلط، وليتك تجنبتِ ذلك، ثم إن بياض الأسنان هذا غير طبيعي، ويعطي لوجهك إشعاعاً فسفورياً أنت في غنى عنه، وكنت قبل سنتين، وقبل العملية من أجمل النساء، لأنك كنت طبيعية.
الرجال تظهرهم صفّة الأسنان السيراميكية اللامعة وكأنهم تماثيل في متحف الشمع، خاصة وأن بعضهم تجاوز الستين بسنين ومنين، مع علل في البدن ظاهرة أو عاش فقراً طوال أربع وثلاثين سنة منها على أقل تقدير، وصحته لا تساعده ليظهر بذلك المظهر الشبابي، غير المظهر المتصابي، فتجده يستعرض تلك الابتسامة الكاذبة منذ ساعات صباحه الباكر، فلا أتذكر إلا وجه، وابتسامة الممثل الفرنسي الذي تهردم فجأة «جان بول بالمندو» قبل رحيله.
اليوم.. أينما تولي وجهك، فلا تجد إلا أشكالاً متشابهة، ومقلدة، ومستنسخة، وكأن الناس ما عادت تعجبهم طبيعتهم الصادقة، والتي تميزهم عن غيرهم، وتعطي لشخصياتهم نعتاً، وصفة، وتقدمهم للآخرين في حالة تفرد، وخصوصية، فصاروا يبحثون عن تميز اجتماعي لا خُلقي!
أخواتنا في العمليات التنكرية، أصبحن مثل كرتون البيض، صفّ متشابه، وكأنهن من تفقيس الدجاج البيّاض، وسهلن الأمر على الشعراء الغَاوِين، بحيث يشّرخ له قصيدة واحدة، ويوزعها عليهن، ويركّبن هن القافية بلا وزر، ولا شقاء الروح، اليوم مشدّ «كارديشيان» يجعل منهن واقفات من دون تعب، وملغمات حالهن، وكأنهن في سبيل لعملية انتحارية، أما رموش سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني، فقد استهوت النساء، وغدت الواحدة إن لم تركبها على جفونها، تشعر بالدوار، وفقدان التوازن، الرموش الطويلة حلوة، وتزين المرأة، لكن ليس بهذا الاصطناع، وكأن الواحدة مثل «الطِرّفشانه»، ما تروم تبربش بعيونها، ولا ترفعها في وجه زوجها، وبصراحة الزميلات المحترمات ما تروم تروح عنهن في مهمة رسمية أو في إجازة طارئة، وترجع، إلا وهنّ متغيرات عليك، تتركهن وهن متزاعلات من بعضهن بعضاً، وهذه ما تداني هذه، ولما تعود من إجازتك، إذا هن مثل الأخوات، لا وبعد، متشابهات تقول ظاهرات من بطن واحد، فلا تعرف فلانة من علّانة إلا في مواقف السيارات حين تمتطي كل واحدة منهن سيارتها فتميز راعية الشقراء برقمها الرباعي المميز، وصاحبة الحزمية برقمها الخماسي المتكرر، وأمهات النوق العُمانيات السبوق بتلك الأرقام المتفردة!