من منا رغم ثقافته وإبحاره في علوم التطور يعرف كم عاماً مرَّ منذ نشوء الخلق. وكم يوماً مرَّ ونحن نؤرخ أعمارنا بالأرقام، وندون بها حياتنا منذ الولادة. ألفان واثنان وعشرون عاماً مرت. وأعوام بعدها سوف تمر حاملة في نسيجها أحلامنا، أمانينا وطموحاتنا وإبداعاتنا وأفعالنا، فلا تنتبه الأيام ولا الأعوام لفتنة الحلم ولا لشغف التحقق. فلماذا أعلق روزنامة الأيام على جدران حلمي وأعد الثواني والدقائق والساعات بخفقة الأمل وفرح الانتظار، فتضحك الأيام من وهمي حين تنكسر على صخرة الواقع خطوات أحلامي، فلم أر  بين يدي إلا النثار، ولا أسمع إلا قهقهات الوهم يضحك من توهمي. 
فيا أيها الزمن الآتي لا تأسى عليّ ولا تنبتني كعشبة في الصخر، فسوف أخطو إلى الظل وإلى وهج الشروق كي أراه يضيء عتمة دربي، لأنني حين جئت بلا قصد سوف أمضي إلى قصدي، كما تحتضن الأصداف لآلئ الوعد رغم هياج الموج حين يبتلع الرمل الزبد. فيا أيها الزمن الذي كالحلم جئت تؤرخني، وتخاتل الوقائع والخيبات كي أبدع الشعر، كما يبدع الحالم أوهام الأماني أو يخاطر بخطى العمر، ويلون دقات أيامه بأطياف الوعود التي قد لا تصدق الموعود ولا الوعد. كأنني مبحرة في لجة اليم، لا سفينتي تهدأ ولا الموج يرأف بتيه مجدافي، ولا شراعي يرخي الهياج في رقة الريح. فمن أين لي أن أدعي أنني المبحر في سفن الأحلام والآمال، وإنني من يحتفي به الموج وينتشي بترديد موالي وإيقاع أغنيتي!. فيا أيها الزمن الموغل في الغموض وفي الوضوح والذي يأتي ويرحل من دون أن يستأذن البقاء أو الرحيل، هل وعداً تعدني بالوعود والأماني؟ أم أنني في غيهب الجهل ساكنة، فلا إدراكي يضيء بصري، ولا أنت من يمنحني فتنة الأيام ونشوة العمر. هل عليّ أن أبقى أسيرتك، أقسمك ساعات وأياماً وأعواماً؛ فلا أحلامي نضجت على وقع خطاك ولا نقشتني وضوحاً على صفحة الواقع، ولم ترسم لي على صفحاتك إلا هشاشة الأحلام والأوهام.
فيا أيها العام الجديد أنظر إلي وحدّق في مرايا أحلامي لأني ما زال يعذبني أنني واقفة على حافة المنحنى، لا جناح يحلق بي للعلا، ولا ثقل يشدّ خطاي نحو الهضاب. حياة شئت أجمّلها فأبت، ولم تسقني غير مر الشراب. ورغم أني ظننت أنني من يصنع الكأس ويملؤها، غير أن ظني كان خداع السراب.