منذ شهور قليلة تلقيت لوحة فنية جميلة عن مدينة العين، أهدتني إياها فنانة تشكيلية عربية وأديبة إعلامية، فلدى الفنانة عبير يونس لوحات فنية جميلة شاركت بها في معارض فنية جسدت طبيعة الإمارات المحتضنة لها منذ سنوات طوال، فأخذت أتمعن اللوحة في أبعادها وتفاصيلها المبهرة، كأن أستقبلها بأحاسيس التبصر والتفكر، إنها في أبعادها متعة جمالية كالعزف والنغم الجميل، فالموسيقي الملهمة بالدهشة، دائماً ما تكمل عنفوان الألوان في جماليتها، فلمست شغف الفنانة وهي ترسم هذه اللوحة، على هدوء. لمست أبعاد خيالها ورغم أنها غير قاطنة في هذه المدينة الساحرة بجمالها، لكن المدينة تغلغلت بتفاصيلها لتبهر خيال الفنانة الزائرة لها، ولتطل في أحاسيسها ولتكون هذه الفكرة الرائعة بهذا البهاء وبهذه التداخلات الفنية المبهجة التي نسجتها بحرفية.
الفن خيال وعمق أسطوري يجسد إيقاظاً فطرياً في الروح يمهد لها أبعاداً راجحة للفكرة، ما جعل كل متذوق للوحة يفطن لجماليتها ولذلك اتفق الكل على روعتها، والكل يلمس فيها جوانب متعددة ولمسات جمالية تلامس شغاف النفوس.
والحال أن الحياة في صنعها جمالية عظيمة تقابلها الفنون الإنسانية وتعبر عنها بريشة فنان أو تقاسيم أوتار تدندن أو كلمة أدبية تغلف بعرشها ومكونها لذة الروح وتقابل الحياة الجميلة بتفاصيلها وخلقها البارع، بسمات من الفنون يتجلى فيها النضج الإنساني الممتزج بالفرح والألم والأمل، أي أن الإنسانية تحاور بإبداعاتها ما يقابلها من جمال وما لم يقابلها من اغتراب نفسي، فالفنون تحاور ملحمة الحياة الإنسانية.
الفن هو الملاذ المعبر فإذا كانت هناك مدن ملهمة في حضورها اليومي تستلهم الأيام من تاريخها العظيم وإرثها الجميل فيكفي أن تحرك ريشة الفناة ألوانها إلى مدينة حاضرة في الأذهان والوجدان، ولو لم تعش الفنانة في حيثياتها اليومية، يكفي أنها زائرة لها ما بين حين وحين. إنها العاطفة الفنية معبرة عن الاستلهام الفكري والفني الإنساني.
الفن الجميل يعبر عن المشاعر، هذا الامتزاج ما بين خلايا الكون المتجسدة في الاختلاجات الرائعة تهب الفن نضجه وفطرته، فالطبيعة دائماً ما تصدر لنا ما يمكن التمتع به أمام مرايا إبداعية خلابة تعكس الفنون وتسطر عن الأعماق الإنسانية في جماليتها الحاضرة، وشغفها للحياة الماثلة بالمكونات الأسمى والارث الإنساني الأجمل، تلك الهبات الرحمانية الأجمل للإنسان تكمن خلفها الرؤى العظيمة من التعابير الإنسانية بالفنون الملهمة. هي ليست مجرد فنون وإنما استشراف على الحياة بما يليق بها من ابتكارات تظهر الأحاسيس أمام تجلي الأفكار وتضادها.