شهدت مدينة عدن اليمنية الجنوبية مؤخراً حدثاً استثنائياً، وهي تستعيد بكل الشكر والامتنان ذكرى تحريرها من براثن الإرهاب وتصديها لتمدد المليشيات الحوثية الإرهابية ومشروعها التوسعي الطائفي، بفضل من الله والدور البطولي للقوات المسلحة لدولة الإمارات التي هرعت لإنقاذ المحاصرين في تلك المدينة الباسلة.
المدينة التي كانت أيقونة مدن الجزيرة العربية وثالث أكثر موانئ العالم ازدحاماً في خمسينيات القرن الماضي، وشهدت بناء أول مصافٍ للنفط في المنطقة، كانت تعد رمزاً للمدنية والانفتاح والتجارة والاقتصاد والازدهار وحسن التعايش والتسامح بين سكانها من مختلف الأعراق والأديان، حيث يوجد المسجد والمعبد اليهودي والكنيسة ومعابد الهندوس. 
وفي مبنى كنيسة القديسة ماريا التي بنيت عام 1871، وأعيد ترميمها بعدما كانت أيضاً مقراً للمجلس التشريعي للمدينة إبان ازدهارها قبل أن تجتاحها القبائل الماركسية الحمراء وتحولها يباباً تنعق فيها الغربان وتنشر المقابر الجماعية والجثث المجهولة الهوية وروائح الموت المجاني وضحايا الانتقام، جرى استئناف العروض المسرحية في رسالة بأن الروح الجميلة للمدينة وعشق الفن فيها لن تموت مهما ساد الظلام والظلاميون. 
اختارت فرقة خليج عدن مسرحية «هاملت» الشهيرة للكاتب البريطاني وليام شكسبير لتقدمها للجمهور باللهجة العدنية، بعد دورات تدريبية لأعضائها بمسرحي «شكسبير جلوب» في لندن و«فولكانو» في ويلز لعامين، وبالشراكة مع المركز الثقافي البريطاني. 
جاء اختيار الكنيسة القديمة لتقديم العرض من أجل «لفت أنظار السلطات والعالم إلى المعالم التاريخية لمدينة عدن التي تضررت كثيراً من الحرب والإهمال» والتأكيد على تمسكها بقيم التسامح والتعايش التي تأسست عليها. فقد عرفت المدينة المسرح قبل نحو 120 عاماً، حيث عرضت فيها أول مسرحية في عام 1905، وهي أول مدينة في الجزيرة العربية والخليج تشهد هذه العروض المسرحية، خلال فترة الوجود البريطاني فيها.
وقد كان من مفارقات الأوضاع التي تعيشها حالياً مدينة الأنوار سابقاً أن بطل العمل الذي يقوم بدور الملك الأب في المسرحية الفنان سمير سعيد سيف عقب أن ينتهي من تقديم دوره فيها يذهب لعمله في مطعم للمضغوط بمنطقة خورمكسر، حيث يعمل نادلاً جراء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية والخدمات المنهارة في المدينة والمتفاقمة بسبب استمرار الحرب التي فجرتها المليشيات الإرهابية الحوثية في البلاد والمدينة التي تغنى بها الشعراء والفنانون، وقال فيها المحضار «ليلة في الطويلة خير من ألف ليلة»، وكان الله في عون عدن وأهلنا في اليمن.