عرفت من نفسي ضيقها الشديد من الغباء، فأكثر ما يثير حنقي السوء الذي يترتب على تصرفات الأغبياء، أولئك الذين يصرون على التصدي للأمور والمبادرة رغم ضعف إدراكهم الجلي ومحدودية أفقهم المعلوم لديهم ولمن حولهم! صحيح أن أحوالهم تستدعي تعاطفاً، غير أن ذلك في أحوال لا تشبه تلك التي أقصدها، عندما يأخذ أثر غبائهم في أذية من حولهم. يفسر الغباء علمياً بأنه ضعف في الفهم ومحدودية إيجاد العلاقات بين الأشياء، وضعف في الشعور أو الإحساس. وعند هذه الجزئية الأخيرة نحتاج لوقفة!
وخصوصاً إذا عرفنا أنه وعلى الضفة الأخرى يُعرِّف بعض العلماء أن الذكاء هو القدرة على الإحساس بالآخرين وتفهم مشاعرهم!
*
في رواية تحمل عنوان «كيف أصبحت غبياً»، يطرح مؤلفها الفرنسي «مارتن باج» بشكل غير مباشر معضلة -من المفترض- أن تجعلنا نعيد التفكير في أنفسنا، وفي تصنيف قدراتنا العقلية بشكل مختلف عما اعتدنا عليه سابقاً، هل نحن أذكياء أم أغبياء؟ فحسب ما ندركه، أن قدرتنا على التعلم وإيجاد العلاقات بين الأشياء والتخطيط وحل المشكلات دلالة على مستوى ذكائنا، وفي هذا الشأن وضعت المقاييس وأُفردت الاختبارات لمعرفة الأذكياء، وتنافس المتنافسون ليتباهوا بمستوى ذكائهم، بينما لم نسمع عن أي اختبار لقياس درجة إحساس الناس ببعضهم، ومستوى تفهمهم لمشاعر الآخرين، فكانت النتيجة أن جعلت هذه المقاييس المعروفة من الإنسان أحياناً أكثر أنانية وبلادة تجاه الآخر.
*
بناء على مقياس الإحساس بالآخرين -وحسب الرواية- اعتُبر نمط الاستهلاك المفرط والمعولم غباء، ودون أن يغوص في هذا الشرح، أكد لمن أراد أن يفهم، أن الذي يقوم بذلك إنما يتعاطى بلا مبالاة مع الطبيعة ومواردها، ويتعامل بأنانية مع غيره من المحتاجين، ويتصرف بسفه أمام نعم الخالق بعدم إدراك قيمتها إلا بامتلاكها، وعادة ما تكون هذه الأفعال لرغبة في التقليد والاستعراض والتبجح. في رأيي أن صفات (اللامبالاة والأنانية والسفه) دلالة علمية على غباء المرء، ففيه تتمثل صفات لا يتسم بها إلا الغبي والأخرق.. مهما ارتفعت درجاته في حسابات (الآي كيو).