في السنوات الأخيرة، تطور مفهوم الاستدامة من كونه مصطلحاً يُعنى بالمحافظة على البيئة، إلى منهاج عمل تعتمده الدول والحكومات والمؤسسات والأفراد. ومعناه حالياً الاهتمام بالقدرة على حفظ نوعية الحياة التي نعيشها على المدى الطويل، بما يجعل من لحظة الحاضر، متركزاً لما نأمل أن يكون عليه مستقبل دولنا. ونخص جانب الاستدامة في الثقافة كونه أحد المحاور الاستراتيجية التي ينبغي العمل بها لضمان المحافظة على استمرارية النهج الثقافي وصيانة مكتسباته، بداية من قراءة المشهد الثقافي في الدولة، وفحص برامج العمل في جميع المؤسسات للتحقق من امتلاكها لشرط الاستدامة.
وكما نعرف، فإن العمل الثقافي اليوم يعتمد بنسبة كبيرة على دعم الدولة والجهات الأخرى. وبدون هذا الدعم، فإنه قد يتعرض للتوقف أو التأخر كونه لا يحمل بذرة استمراره ذاتياً. وما نراه من تراجع في قطاعات ثقافية حيوية كانت هي مصدر الواجهة في السابق مثل أنشطة الآداب والشعر والمسرح، مقابل بروز قطاعات أخرى واتساعها مثل معارض الفنون وزيادة عدد المتاحف التي تستحوذ اليوم على النسبة الأكبر من الاهتمام، لهوَ دليل على أن سوق الفنون والمتاحف، يحمل بذرة استمراره كونه يحقق ريعاً مالياً من تلقاء نفسه. ولتطبيق مفهوم الاستدامة على الآداب، علينا أن نعمل في الفترة المقبلة برؤية جديدة لمسنا ملامحها في مهرجان طيران الإمارات للآداب، الذي رسّخ خلال 15 عاماً، أسلوباً مستداماً في جعل النشاط الأدبي قابلاً للدخول كمورد في عجلة الاقتصاد.أيضاً، وكمنهجية جديدة أصبح الكثير من المؤسسات الثقافية يعمل على مفاهيم مثل «الاقتصاد الثقافي» وقبلها اقتصاد المعرفة وغيرها. وهو أمر يضمن على الأقل أن تكون برامج العمل الثقافي قابلة للتوسع والاستمرار مستقبلاً، ولكنه يعني أيضاً خضوع الثقافة لمنطق السوق، وهو أمر خطير ومهم جداً. إذ ينبغي على الدولة هنا، أن تخصص ميزانيات عالية لرعاية الثقافة في مضمونها القومي ومنها تعزيز برامج صيانة التراث والتاريخ واللغة والهوية بما يتفرع منها من أشكال فنية وأدبية تصب كلها في ترسيخ وجدان الإنسان من دون انتظار تحقيق الربحية.
تلعب الثقافة في الإمارات دوراً جوهرياً في تقديم صورة الإنسان الإماراتي وصورة الدولة في العالم. هذه الصورة التي تشكّلت من تراكم سنوات طويلة من العمل الثقافي الحقيقي الذي جعل الإمارات واحدة من أقوى الدول المساندة لمفاهيم التعايش والتسامح في العالم. ومسؤولية المحافظة على استدامة هذه الصورة تقعُ على الجميع.