ما هذا؟ هتافات عنصرية شريرة في ملاعب الكرة الأوروبية وخلط بين السياسة والرياضة، ومشاحنات بالغناء الجماعي بين جماهير بعض الفرق، والأمر يتطور لدرجة أن الاتحاد الألماني لكرة القدم يخشى من تأثير الصراع الاجتماعي والسياسي على بطولة الأمم الأوروبية التي تستضيفها ألمانيا العام المقبل.. فماذا يجري في ميدان اللعبة الشعبية الأولى؟
قديماً عندما بدأ علماء الاجتماع في دراسة أسباب انتشار كرة القدم في الكوكب، كان من ضمن التفسيرات أن الإنسان مدموغ بغريزة الحرب، وأن اللعبة باتت هي البديل المشروع لهذه الحرب بما فيها من تعبيرات عسكرية، وبما فيها من مضمون، ففي المباريات، يسعى كل فريق إلى احتلال أرض منافسه، وأسباب شعبية كرة القدم كثيرة ومتنوعة، ومن أهمها الشك في نتائج المباريات، فلا يقين بفوز فريق على الآخر. ومعروف أنه علت عمليات الشغب في العالم كله بعد الحرب العالمية الثانية، كأن تفسير علماء الاجتماع كان صحيحاً !
في مباراة مانشستر يونايتد وليدز الأخيرة التي انتهت بفوز مانشستر يونايتد بهدفين للاشيء شهدت المدرجات مناوشات وهتافات عدائية بين جماهير الفريقين، وأخذ بعض مشجعي ليدز يهتفون «طرباً» عن كارثة ميونيخ الجوية عام 1958 والتي قتل فيها ثمانية من لاعبي مانشستر يونايتد. ورد أنصار يونايتد بأغنية غبية مماثلة تتعلق بأحداث وقعت عام 2000 في إسطنبول عندما توفي اثنان من مشجعى ليدز، وأصدر الناديان بياناً يدين هذه الهتافات، وكذلك اعتبرت رابطة الأندية ما جرى مأساة يجب التعامل معها بحسم. الشغب ظل لسنوات طويلة الوجه القبيح لكرة القدم، وخطاب الكراهية الذي انتشر بين جماهير ومشجعي الفرق شرقاً وغرباً، ينذر بتحول كرة القدم إلى كرة احتقان، تكبر وتكبر حتى تنفجر. وفي العصر الحديث مظاهر من الشغب والكراهية متعددة، ففي نهائي كأس الأندية الأوروبية عام 1975، قامت جماهير ليدز بأعمال شغب، وهاجموا جماهير ولاعبي منافسهم بايرن ميونيخ وحكام المباراة. ومنع الاتحاد الأوروبي ليدز من الاشتراك في منافساته أربع سنوات، وبعد ذلك بعشر سنوات وقعت مأساة استاد هيسيل في بلجيكا قبل مباراة ليفربول ويوفنتوس وراح ضحيتها 39 شخصاً، وأصيب 600 مشجع من الطرفين. ووقعت عقوبات صارمة على ليفربول والأندية الإنجليزية، وفي حقبة الثمانينيات عرف العالم ما يسمى بظاهرة الهوليجانز، مما دفع البرلمان البريطاني إلى سن قوانين قاسية لمحاربة العنف والغضب والكراهية في ساحات البهجة والمتعة.
من أسوأ المباريات الرياضية التي عرفتها البشرية، تلك التي كانت تقام إبان الامبراطورية الرومانية على أرض الكوليزيوم الذي يعد الآن من أهم آثار العاصمة الإيطالية روما، حيث يتبارى المصارعون بالسيوف والشباك والحراب، حتى ينتهي الصراع بفوز أحدهم ومقتل الآخر وسط هتافات صاخبة ومحمومة وشريرة !
** هل يعود عصر الكوليزيوم وتطل أشباح العنف والكراهية على مدرجات البريميرليج مما يهدد قيم كرة القدم ومفاهيمها وبهجتها؟!