تبدو فكرة صعود السلم مناسبة تماماً لشرح الطريقة التي نتعامل بها مع احتياجاتنا في الحياة. لنتخيل معاً الطريقة التي نصعد بها أي سلم خشبي على سبيل المثال، والتي يمكن تشبيهها هنا بالأسلوب الذي نسلكه لكي نحيا؛ ولنتفق مبدئياً أن صعود السلم والوصول إلى أعلى درجاته ليس هدفاً في حد ذاته، فالهدف هو الحصول على أمر ما أو رؤية شيء ما أو تلمسه بعد وصولنا إلى أعلى نقطة في السلم.. وهكذا؛ كل درجة من هذا السلم ضرورية جداً للوصول إلى الدرجة التي تليها. إذاً فالدرجات وسيلة لتحقيق هدف، وبالتالي فالمنطقي والبدهي أن لا أهمية إطلاقاً لأن تكون المادة المصنعة لدرجات السلم من الذهب أو الألماس أو من الحجر، الأهم أن تكون درجة آمنة تحمينا من السقوط!
تخيلوا الحال، لو لم يعد الهدف من صعود السلم، أمراً ذا أهمية، بل أصبح الأهم أن تكون تلك الدرجات التي نضع عليها أقدامنا في السلم مصنوعة من معدن ثمين وجميل يشير إليه الجميع بالبنان، ويشيدون بلمعانه، بينما هدف الصعود أو حتى لياقتك أثناء صعودك الدرجات أمر لا يعنيهم! أتوقع أنه من الطبيعي أن سقوطك لن يحرك فيهم ساكناً، كونهم توقفوا للانبهار بألوان وشكل الدرج، لا بصعودك ولا بنجاحك في تحقيق هدف الصعود؛ بهذه المقاربة، أجد الحياة والطريقة التي نتعامل بها مع احتياجاتنا وسلم رغباتنا، وكذلك مواقف الآخرين ووجهات نظرهم من نهجك في الحياة.
تأتي الحاجة للتقدير (تحقيق المكانة الاجتماعية والشعور باحترام الآخرين والإحساس بالثقة والقوة) في سلم الاحتياجات الإنسانية، في مرتبة متأخرة، تسبقها الحاجات الفسيولوجية أو الفطرية، ثم الحاجة إلى الأمن ثم الحاجة الاجتماعية، وبطبيعة الحال يأتي الحصول على التقدير من الآخرين نتيجة طبيعية لتفاعلات كثيرة علينا المرور بها لنتمكن من اكتساب احترام وثقة الآخرين، وهو ما يحدث في الأساس من الداخل وليس عبر أدوات مادية -من المفترض أن لها دوراً مساعداً وليس أساسياً- كما أنه من المهم هنا توضيح أن سلوكنا عندما نصرُّ على تحقيق رغبة إنسانية في مقابل إهمال متعمد ولا مبالٍ لحاجة حقيقية في مرتبة أسبق، دليل أكيد على خلل سيتسبب في مشاكل لها تداعياتها علينا وعلى من حولنا.
مشكلتنا في التعامل مع العالم المادي الذي يحيط بنا، تعود إلي عدم التفاتنا بجدية لسلم احتياجاتنا الحقيقية ورغباتنا في الحياة؛ وإنْ حدث أن عرف البعض هدفه الأسمى من حياته -وهذا نادراً-، فإن ترتيب الأولويات قد يتعرض لتشويه خارجي يفرضه الإعلام والدعاية والآخرون، ومن ثم تتحول عملية صعودنا درجات السلم إلى فعل استعراضي لمواد وأدوات، لا عملية حقيقية للوصول إلى هدف.