من جمالية الحياة أنها لا تستثني الروح الملهمة من سياقها وفطرتها بما تضج به على هدوء من دفع للإنسان نحو الاستفادة من ذاته البشرية وإبداعاته أياً كان جنسها أو فاعليتها الفكرية، ويظل الإلهام الإنساني يرصد ذاتية وما يختبئ في اللحظات المؤثرة، وربما منها اللحظات الحزينة وما يقبض على خصوصيتها، وما يفتح آفاق الفكر ليثير تلك التجارب، ومنها التجارب الكتابية وتصويرها في الذاكرة. إذ ليس كل التجارب تكتب في وقتها، فمنها ما يندثر سريعاً، ومنها ما لا يمحي من الذاكرة، ليكمن في صور عدة ينتظر الحدث الذي يقرب الإنسان من جوهر استدعاء ما في الذاكرة، ويحفز الشفافية الذاتية، ويعزز قدرته على التعبير. إنها فلسفة حكائية إنسانية ترصد طور الإنسان ومصدر إلهامه، وترصده من دون مقدرته على التماهي معها في عالم يبث الإبداع والتخيل والثبات على التوهج الفطري في التعبير.
فمما يميز الإنسان الاستلهام في الحياة بالمعرفة والفطنة وعدم الاكتفاء بل يبحث فيه الإنسان دائماً عن المزيد من المرئي والمباشر من صور ومظاهر، لأن المعرفة لا حدود لها، ومما يلهمها ويزيدها اكتنازاً البحث المتدرج في الثقافات بلونها الممتع وشكلها الرصين وقيمتها في مخاطبة العقل الإنساني عبر سنوات من الحياة وما ينتج منها من تفاعل مع الوعي الإنساني المستحدث والمستجد عبر العصور.
الخيال الإنساني أيضاً معرفة في صورته الحقيقية المتضادة مع الواقعية الفكرية، ويعتبر صحواً آخر للعقل وشروعاً آخر في الاستلهام أمام مساحة الحياة الشاسعة، على رغم ثوابتها الحياتية الفكرية إلا أن الإلهام الفطري لا يفسد الثوابت بل يمد الإنسان المفكر بأن لجوهر المعرفة نشأة مستمرة لها جماليتها في الحياة، ولها قدرتها الخارقة وإن لم تكرر التجارب السابقة مهما بلغت من الأهمية ومهما نالت من الشهرة.
هذه سياقات حياتية فكرية ثقافية بعيدة عن التنظير والتقييم فلا يمكن مثلاً بعث صف ثانٍ أو ثالث من الشعراء والأدباء أو أن نُوهم الحياة بإمكانية صنع تجارب أدبية نابتة من أدب التصنيع الفكري أو الثقافي، فالإبداع قد يتناقض ولا يترابط مع بعض الاستراتيجيات الثقافية، فثمة شك في أن يصبح الإبداع مدرسة تدرس الالهام الفكري لينسج إبداعات لا سابق لها.
التجربة الكتابية والإبداعية يجرها الإلهام نحو الاحتراف بعيد المدى، ولكن الاحتراف المنسجم مع الذات الشغوفة لرؤى وأفكار وفلسفة الوجود الإبداعي، يسعى وراء التميز الفكري القيم. وجميل أن تصل التجربة الإبداعية وتجتمع في معناها الكبير على انفتاحات جميلة تحضر فيها الإنسانية بمفرداتها الحاضنة للحياة.
فكلما امتدت فكرة الإلهام كلما اتسع العطاء الإبداعي من دون أن تتخلله حدود أو تحده رؤى بشرية، والإلهام يقف وراء النضج الفكري، واستبشار المكتبات ورفوفها بالجميل رالاستثنائي في الكتابة من روايات وفضاء شعري قادم من روح جسدت المعنى الكبير للثقافة والوعي بالإرادة الملهمة للإنسانية.