في سره، في سرده، في سبره، في سيرته، في خبره، وفي دهره، في جذره، في حرفه، في طرفه، في ظرفه، في بحره المتأجج بحرقة وشوق إلى أتون وفنون، وشجون وشؤون، هو هذا الكتاب الذي قال عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، إنه مخزن الحضارة، وقامتها ومقاومتها، والسمفونية التي تعزف فن الوعي وإدراك العالم، وما يختبئ في معطفه من أسرار النهوض والتطور، وصحوة العقل، ويقين الروح.
فالقراءة هي ذلك المصباح الذي منه تضاء غرف الحياة، وبه تسرج خيول المعرفة، وفيه تكمن حقيقة الإنسان العاقل، وإليه تعود الحضارة البشرية.
القراءة هي تلك الشجرة التي تظلل ضمائرنا، وتحميها من لظى الجهل، ورطوبة الشوائب التاريخية، وملوحة العلاقة مع الآخر، وكهولة العقل، وشحوب الوعي، وعجوف أشجار الروح.
القراءة ومن دونها لا يستقيم عود، ولا يعتدل فكر، ولا ينضج وعي، ولا تستمر حياة، لأن القراءة هي الجدول والنهر، وهي المنبع والمصب، هي الغيمة، وهي البرق، وهي الموجة والبحر، وهي الساق والمساق، وهي الفجر، وهي تغريدة الطير على الأغصان، القراءة هي الأغنية الخالدة التي تجعل من الأرواح وريقات تهفهف على محيا الحياة، وتجعلها نسائم تلاطف شجون العمر، وتفتح للحضارة نوافذ التقدم والازدهار،  وتشرع أبواب التلاقي بين الثقافات، وتعمل على مد الجسور بين الشعوب، حتى يصبح العالم خيمة واحدة عملاقة يسكنها أبناء الأرض من تصيف لعرق، أو تفنيد لدين،  فكلنا أبناء التراب، كلنا إخوة في الجنس البشري، كلنا نتحدث بلغة الإنسان أولاً، ووحدة الوجود الديدن، والموال، والناموس.
حديث سموه عن القراءة، حديث يثير في النفس لواعج، ويحرك في المشاعر طاقة الانتماء إلى سؤال: «العيش من أجل الحياة، وليس من أجل البقاء».
هكذا نجد أنفسنا في هذا البلد واسع الحلقات، في تحدٍ دائم مع النفس، فالمشاريع التوعوية تسير بسرعة طرفة الجفن، ورمشة الأهداب، وكلنا في الحلم عين تحدق، وأذن تسمع، وشفة تلهج، وعقل يبحث عن ذاته في ذات الأشياء من حوله،  وخيرها القراءة كمصباح يضيئ، وقلم يرشف من محبرة السيولة، لينحت صورة الحقيقة على وريقات وكف.
القراءة هي خضاب الحناء على أنملة الوعي، وهي أثمد الصباح على رمش وجفن.
القراءة مناعتنا في مواجهة غبش العتمة، القراءة مصل التعافي من جوائح الجهل، والأمية الثقافية.
القراءة هي المصير، وهي الصد والرد لرياح الهدم والشعوذة، وبوهيمية الفكر، وفراغ المراحل،  وسقوط البشرية من عرش التفوق على الكائنات الأخرى، ورحيل الحلم إلى غياهب، ومذاهب ونواكب، وصواخب، وخرائب، وغرائب، وعجائب، ربما لا تخطر على بال بشر، ولكنها ممكنة في غياب القراءة، لأنها سر تفتح الزهر،  وبياض الموجة، وفيض الغيمة، ونضوج العقل،  وراحة النفس.
هكذا تبدو القراءة في ضمير من جرب عذوبة مائها، وحلو شهدها، ونقاء سريرتها، وبهاء محياها، وصفاء أنهارها.
هكذا هي القراءة مثل أنثى حالمة بقصيدة عاشق، ترافق صحوها ومنامها، وتروض مهجتها.