أنجزت الكثيرات من النساء في العقود الأخيرة من هذا القرن بعض شروط وجودهن ككائنات إنسانية تتمتع بقدرات وطاقات موازية ومتساوية لما يتمتع به الرجل. فدخلن عصب الحياة الاقتصادية كقوة عاملة، ونلن الاعتراف ببعض حقوقهن في المجالات التشريعية، وأُفسحت لهن المجالات المختلفة للإسهام في مشاريع التنمية، وبرزن في مجالات العلوم الإنسانية المتنوعة، واقتحمن الحياة السياسية وشاركن في صنع القرار في أعلى مستوياته في بعض دول العالم. وفي بعض البلدان العربية، نلن الاعتراف بحقوقهن السياسية. وضمن هذه التحققات، دخلت المرأة نسيج الحياة الثقافية كقوة مبدعة ومجددة في الفنون والأدب والدراسات والأبحاث في كل مجالات الحياة، لأن المرأة هي التي حبكت الوجود بأصابعها المبدعة، وهيأت نسلها للامتداد، فحيث توجد المرأة تتكاثر أعداد البشر، وهي التي عجنت خبز وجودها بيديها وقوة روحها. 
وفي العصور السالفة هي التي شيدت المنازل، حين السماء ظل، والمحيط فضاء مطلق، لأنها هي قوة الحياة، وما زالت عبر كل العصور، لأنها تشبه الهيبة التي من سطوع وهجها تخفق القلوب بالحب والإعجاب، لأنها هي الرحم والحضن والبيت والسكينة والطمأنينة، وهي أول من زرع الشجر من البذار، ونسج الملابس قبل مصانع النسيج، وهي التي كانت تهيئ الموائد للاحتفالات وترحب بالزائرين، وهي التي علمت البشر الحب، لأن الحب جوهرها والسلام فضاء روحها، لكن قساة البشر خرجوا على الحب والسلام الذي فاضت به، وأشعلوا لهب الكراهية والحروب، وكان ينبغي لهم أن يؤمنوا بنبض حبك وفيض السلام الذي يحيط بك أينما وجدت، ولكنهم حين أدركوا جوهرك خصصوا لك يوماً من كل عام، كعيد يحتفى بك، بسبب كل ما كسبته بعد صراع وكفاح وتضحيات كي يتذكروك ويروجوا زهرة وبطاقة مطرزة بجملة أنتِ صياغتها، ومن فتنتك رقّتها ومن ضيائك شاعريتها، لأنك أنت من نقش الجمال على صفحات الوجود وسرد الحكايا. وأنتِ من أطلق أجنحة الخيال وأبدع الشعر والغناء والنشيد حين تهزين مهد طفلك كي يغفو مطمئناً في رحاب حبك، ولأنك كنت وما زلت ينبوع القصائد وروحك نهر يفيض بالشاعرية. لأن الشاعرية أنوثة الخيال، ورداء اللغة حين تقتبس من صفاتك.. فكل أغنية لا تصفك، لا تطرب. وكل رواية لا تجسدك لا تغري، وكل بيت لا توجدين فيه موحش وقاحل.
فهنيئاً لك بيومك كل عام.