خلق الله الخلق ليعمُروا الأرض سعياً وراء تطورها، وخلَق الحياة بتلك الشفافية ليغلفها ولم يحجبها كل الحجب عن الإنسان ليحتويها ويظهرها علمياً، وشملها بالحياة وأوجد العقل والفكر لتحلِّق البشرية عالياً كلما أخلص الإنسان للعلوم والتفكر في طبيعة الكون، وكلما بذل جهداً في معرفة كل ما يلامس فكره ويستعين بذكائه الذي وهبه الله إياه، ولذا امتدت آفاق البشرية في معرفتها وعلومها وما زالت آخذة في البحث في جذور الكون. وأخذت جهدها في التناغم ما بين طبيعة الحياة وطبيعة الكون الشاسع الذي سُخّر للإنسان المثابر الذي لا يشكل حجماً إلا بفكره ومقدرته على البحث والاستكشاف والتطور. ومهما واجه من الصعاب والتحديات وحراك الطبيعة وتشكلاتها التي لا تستقر، فالإنسان يتماهى علمياً وفكرياً وثقافة مع الحياة. ولكل امرئ من الإنجاز والتقدم بما سعى، فكان سعي دولتنا الإمارات نحو الفضاء سعياً جميلاً يثمر بما وصلت فيه صدارة العلوم البشرية العالمية من نجاح في تجارب علوم الفضاء.
وهكذا كان أمراً ملهماً محوطاً بأنظار الإعجاب والإبهار انطلاق رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي، في أول مهمة طويلة الأمد في الفضاء لرائد فضاء عربي، وما أعقب ذلك من ارتياح بعد وصول مركبته وزملاءه والتحامها بمحطة الفضاء الدولية المستقرة في مدارها. وما جسده الحدث من إرسال صور جميلة حول الأرض، كوكبنا الجميل، ولكن الأجمل أيضاً أهداف مهمتهم في إجراء تجارب علمية وتكنولوجية حول نمو الخلايا البشرية في الفضاء، وغيرها عشرات من التجارب ذات الطابع العلمي الدقيق.
فما يشهده العالم الآن من نبوغ في علوم الفضاء، سيفيد البشرية عاجلاً أو آجلاً، وسيسهم في النماء العلمي العالمي، كما أن محرك الثقافة سيتجه نحو الانفتاح بشكل أكثر شمولية في جل جوانب الفكر الإنساني. وكذلك أدوات المعرفة وطرق بنائها ستختلف عما هي عليه الآن، ولذا فإن على المؤسسات الثقافية أن تتهيأ لأنها ستكون أمام مدد آخر، وتكنولوجيا ستشهد حقبة ثقافية مختلفة.
ولا ننسى، في هذا المقام، المجلات العلمية العالمية التي ترجمت إلى لغات مختلفة ومجلدات من العلوم الفضائية التي كانت تتحدث عن أبحاث علمية زمنية قادمة، تحدثت عنها مؤسسات ثقافية كالمجمع الثقافي آنذاك واستضافة هذه المؤسسات وغيرها للعلماء ورواد الفضاء. وكان العالم يرى زخم الحياة العلمية عن قرب، والعلوم ذات الصلة تتوهج هنا، وها هي تنجح في كتابة التاريخ، والقادم لابد أن يظهر في حياتنا الآنية لأن التصورات تفوق الخيال، والعطاءات العلمية لها سحرها وإبداعها الملهم.
فالنجاحات العلمية تؤتي ثمارها، وليس على المؤسسات الثقافية وحدها التهيئة للقادم، بل أيضاً المؤسسات المعرفية والتعليمية التي تبني الأجيال بمناهجها ومفاهيمها التعليمية وحاضنتها التربوية والفكرية، ونظرياتها المختلفة، فستكتب لها هي أيضاً بداية عقد زمني علمي قادم. وعليها أن تعد الأجيال الصاعدة للاستفادة من هذه التجارب والإنجازات العلمية المتقدمة التي يحققها الوطن. إنها خطوة أولى كبيرة إلى الأمام، وعلى عالمنا العربي أن يتهيأ لقادم العلوم، وعودة الألق العلمي لحضارتنا العربية.