بارعاً وجريئاً وجسوراً، كان وليد الركراكي مدرب منتخب المغرب، في قبوله اللعب أمام البرازيل، وبعده بيرو، في أول إطلالة لـ«أسود الأطلس» بعد مونديالهم التاريخي الذي توجوه بمركز رابع غير مسبوق من أي منتخب عربي وأفريقي.
أصر وليد على أن يكون الخروج الأول لمنتخب المغرب بعد كأس العالم بالمغرب بعروس البوغاز، واختار لذلك ملعب طنجة الذي أصبح بعد ترميمه الأكبر في المغرب، من حيث الطاقة الاستيعابية للجماهير، بل وأردف ذلك بطلب أحد المنتخبين المتاحين، الأرجنتين بطل العالم أو البرازيل المصنف الأول عالمياً، فلا قيمة للاحتفال إذا لم يكن المنتخب الضيف قامة كروية كبيرة.
المجازفة والمخاطرة كانت في اختيار منتخب من العيار الثقيل، لمباراة ظاهرها احتفالي، وباطنها تأكيد على أن بلوغ القمة العالمية بدخول المربع الذهبي لـ «المونديال» لم يكن وليد المصادفة، وفي الحالتين معاً كان هناك إكراه كبير متمثل في أن الوديتين اللاتينيتين اللتين باعدت بينهما 72 ساعة فقط أجريتا في شهر رمضان المبارك واللاعبون خلالهما صيام، وجميعنا يعرف أن مباريات من هذه الطينة لا تكون فيها أي رائحة للودية، لذلك فإنها تستنزف بإيقاعاتها العالية المخزون البدني، بل إن العمل الاسترجاعي للياقة لا يكون سهلاً على الإطلاق.
كان الركراكي بحاجة لأن يحتفي مع أسوده بالجماهير المغربية التي تنقلت بأعداد قياسية ومبهرة إلى قطر، حتى أنها أشعرت أسودها وهم يلاعبون كرواتيا، بلجيكا، إسبانيا، البرتغال وفرنسا بأنهم يلعبون بالرباط وليس بالدوحة، وفي طيات هذا التكريم والاحتفاء بالجماهير، كان الركراكي بمنتهى الشجاعة، يريد أن يعرف ما إذا كان أسوده قد نزلوا من برجهم المونديالي، ما إذا كان بهم ما يكفي من الجوع الذي يدفع للبحث عن الطرائد والانتصارات، وما إذا كانوا مهيئين للصعود مجدداً إلى قمم الجبال.
وبلغ الركراكي ما يتمناه كل المدربين وأغلبهم لا يدركه، ما عزز لديه اليقين أن لاعبي منتخب المغرب لم تنطفئ بداخلهم جذوة الحلم، ولم تخفت لديهم إرادة قهر المستحيل، ولم يلن عندهم العزم لكسب التحديات، وأن روح المونديال لم تغادرهم.
مجدداً أظهر منتخب المغرب في وديتيه اللاتينيتين، وبخاصة في فوزه التاريخي، الأول لمنتخب عربي على البرازيل، أنه صورة طبق الأصل من فكر مدربه، في براجماتيته وواقعيته وتواضعه، وفي عزمه على استدامة النجاح بالبحث عن مستويات أرقى في التعبير جماعياً عن ممكنات لاعبيه الفردية، فكلما ارتقى الأداء الجماعي، كلما تهذب وتنظف من الشوائب التكتيكية، وكلما أصبح عصياً على الانكسار.
ولعلها حالة من الصفاء الذهني الذي هو حتمية أي نجاح كروي، أمضى المنتخب المغربي ردحاً من الزمن يبحث عنها في تفاصيله، ولعله لا يفرط فيها بعد اليوم أبداً.