شيء من المنطق في التأهل «المتوقع» لريال مدريد إلى الدور نصف النهائي لدوري الأبطال، في أعقاب تجديد الفوز والأحقية والتفوق على تشيلسي بقلعة ستامفورد بريدج.
وقد تعمدت التقليل من منطقية هذا التأهل برغم أنني وكثيرون، كنا نجزم منذ لحظة الإعلان عن البلوز منافساً للملكي، بأن طريق الريال سيكون سالكاً للدور نصف النهائي، فما علمتنا كرة القدم برغم علمية التعاطي مع مبارياتها، عبر حقب زمنية طويلة، أنها تعادي المنطق والنمطية وتعشق التمرد و«الفوضى المنظمة» والارتجال، الذي يؤسس لأولى بذرات الإبداع.
وفي دوري الأبطال، عندما تفتح شرفات «الموت المُعْلَن» بالدخول إلى أدوار خروج المغلوب، لا يستطيع أي فريق مهما علا كعبه أن يبيع جلد خصمه قبل أن يجهز عليه، لذلك ما كان مجازاً ولا مسموحاً القول إن ريال مدريد بعدما هزم «البلوز» بمباراة الذهاب في «سانتياجو برنابيو» بهدفين نظيفين، وضع الرجلين معاً في المربع الذهبي للمرة الحادية عشرة في آخر ثلاث عشرة سنة، فقد كانت بانتظاره معركة بحديقة البلوز، قرر تشيلسي دخولها وكأنها المعركة الأخيرة، وفي ذلك كان يأمل في التغطية على موسمه الكارثي بالبريميرليج، حيث يحتل الفريق الذي كان الأكثر صرفاً في الميركاتو الصيفي والشتوي المركز الحادي عشر.
وكما أن ريال مدريد هو تاريخ ومرجعية وتقاليد كروية وعشق أبدي لدوري الأبطال، فإنه أيضاً قوة هادرة تأتيك في كل مرة بصورة مدمرة مختلفة عن سابقاتها، فبينما انتظرنا في موقعة «ستامفورد بريدج» أن يواصل كريم بنزيمة في مباراته 150 في دوري الأبطال قهر «البلوز» على غرار ما فعله في الموسم الماضي، أو أن يأتي المارد فينيسيوس جونيور بواحدة من عجائبه، خرج من المصباح السحري، البرازيلي الصغير رودريجو، فشيء ما أخبر الحكيم أنشيلوتي أن من يستطيع تقمص دور المارد، هو هذا الفتى الذي أتى مثل فينيسيوس إلى قلعة الملكي يافعاً وخجولاً، وبعد ثلاث سنوات صور نفسه لمدربه وللمدريديين كالومضة السحرية التي تطلع في المساءات المظلمة، ولعل هذه واحدة من ميزات بيت العراقة والشموخ لريال مدريد، أن يأتي لاعبون يافعون لعرين الملوك، يتعلمون الأصول والتقاليد ليصبحوا بعد ذلك ملوكاً في قلعة السلاطين.
رودريجو الذي يقتفى آثار مواطنه فينيسيوس والأوروجواياني فالفيردي، وقبلهما مارسيلو وكاسيميرو، لمع كالجوهرة في مباراة تشيلسي، وقع هدفين، ليصل للهدف العاشر ويصبح بذلك ثالث أفضل هداف للريال هذا الموسم، بعد بنزيمة وڤيني، وبـ10 تمريرات حاسمة، بات هذا الموسم، حتى قبل أن ينتهي، الموسم الأفضل له بقميص الريال.
ريال مدريد هو التاريخ، هو العراقة، هو العشق الأزلي لدوري الأبطال، هو كبرياء الملوك، وهو أيضاً هذه التحف والنوابغ البشرية التي تصنع التاريخ.